«قطر والكرة».. الوجه القبيح للعبة الجميلة!

  • 11/12/2018
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

في عام 1999 قرر صحفي إنجليزي اسمه ديفيد يالوب متخصص في التحقيقات الاستقصائية الكتابة عن كرة القدم بطريقته، بعد فوز بلاتر برئاسة «الفيفا» عام 1998، وأيقظ هذا الصحفي الذي توفي في أغسطس الماضي عن 81 عاماً اهتمام العالم على الخطر الجديد الذي يهدد كرة القدم، وذكر كل تفاصيل الطائرة الخاصة التي هبطت بمطار باريس قبل ساعات من التصويت وبداخلها مليون دولار وزعت على أعضاء الاتحادات المشاركة في «كونجرس الفيفا» وبداخل كل مظروف 50 ألف دولار من أجل انتخاب بلاتر. كان هذا هو المشهد الأول الذي قدم محمد بن همام من خلاله قطر كقوة عظمى فوق خريطة الفساد الكروي، وتوالت الصور والمشاهد والأحداث والقصص والحكايات حتى وصلنا في صيف 2018 إلى مشهد جديد بتفاصيل مختلفة على مسرح أميركا الجنوبية قبل بضعة أشهر برعاية وحضور أمير قطر ووزعت الأموال ووقعت الشراكات وعقدت الصفقات لإجهاض مقترح زيادة عدد منتخبات المونديال إلى 48. وما بين المشهد الأول والمشهد الأخير، يقف العالم أمام خريطة مزدحمة بالتفاصيل تتوزع عليها كل ألوان الفضائح من كل الاتجاهات وتفوح منها رائحة الحكايات القذرة والقصص المخزية والصور المؤلمة، ما بين رشاوى وشراء ذمم ومؤامرات وتربيطات في الخفاء والعلن، تحت الطاولة وفوقها، وفي الظل والواجهة، بداية من أدغال أفريقيا حتى أميركا الجنوبية، فهناك أكاديميات ورعايات وشراكات وقنوات. منظومة متكاملة تدار بدقة وإحكام لتضرب كل القيم والتقاليد والمبادئ والأخلاقيات التي من أجلها نمارس الرياضية ونعلمها للأجيال الجديدة . وكل ما يحدث حولنا وما نسمعه يوماً بعد الآخر من روايات مفزعة في كل مكان تمر منه قطر، هو ضد الروح الرياضية والنزاهة والأخلاق والشفافية والمبادئ الأولمبية، وأسوأ مثال ونموذج للأجيال التي تتابع وتشاهد وتمارس الرياضة. باختصار نحن أمام أكبر عملية سرقة وفساد في تاريخ الرياضة. «الاتحاد» وهي تفتح الملف المسكوت عنه من العالم، تكشف الوجه القبيح للعبة الجميلة التي يعشقها العالم. نقدم الصورة كاملة من كل زواياها حتى ما يدور في الكواليس بالحقائق والمعلومات والوثائق، ونكشف كيف نسج النظام القطري، خيوط العنكبوت عبر شبكات دولية وقارية متعددة تختلط فيها الرياضة بالسياسة بغسيل الأموال وشراء الذمم والخداع والغش والكذب. ومن المشهد الأخير نبدأ أولى فصول مسلسل الفساد الكبير. 12 أبريل 2018 في هذا اليوم، وتحديدا خلال اجتماع الكونجرس الـ68 لاتحاد دول أميركا الجنوبية لكرة القدم، «كونيمبول»، عندما سلم رئيسه الباراجوياني أليخاندرو دومينيجيز، رسالة رسمية موقعة من أعضاء الاتحاد القاري، إلى السويسري جياني إنفانتينو رئيس «الفيفا»، وطالبه «رسميا» بزيادة مونديال 2022 في قطر إلى 48 منتخباً، بدلاً من 32، وهو ما يعني استحالة استضافة الدوحة للبطولة، لعدم وجود ملاعب تكفي لتلك الزيادة، وبالتالي سحب البطولة من قطر. رد الفعل القطري جاء سريعاً، وهنا كان المشهد الأول لمسلسل «الفساد القطري الجديد»، حيث أصدرت اللجنة المنظمة لمونديال 2022 في قطر بياناً أكدت فيه على «ضرورة التشاور مع الأطراف المعنية»، قبل اتخاذ أي قرار بشأن إمكانية رفع عدد المنتخبات المشاركة في مونديال 2022 من 32 إلى 48 منتخباً، وقال متحدث رسمي باسم اللجنة العليا للمشاريع والإرث في قطر، في البيان «نحن على علم بالطلب الذي قدمه اتحاد أميركا الجنوبية لكرة القدم إلى «الفيفا»، والذي يقترح زيادة عدد الفرق المشاركة ببطولة كأس العالم 2022. ونود التأكيد على ضرورة التشاور مع كافة الأطراف المعنية، حول انعكاسات هذا الطلب على الجوانب التنظيمية والتشغيلية للبطولة قبل اتخاذ أي قرار بهذا الشأن». تلى ذلك دعوة تميم أمير قطر، لأليخاندرو دومينيجز رئيس «كونيمبول»، لزيارة الدوحة، في 27 أبريل الماضي، أي بعد أسبوعين من طلبه زيادة منتخبات مونديال 2022، وفسرت وكالة الأنباء القطرية الزيارة في بيان رسمي قائلة: «إنه جرى خلال اللقاء بين الشيخ تميم وأليخاندرو دومينجيز الذي يشغل أيضاً منصب نائب رئيس الاتحاد الدولي «الفيفا» استعراض علاقات التعاون القائمة بين دولة قطر واتحاد أميركا الجنوبية لكرة القدم وسبل تطويرها»، وأضافت أنه تم أيضاً «تناول استعدادات قطر لبطولة كأس العالم 2022، والتقدّم المُنجز في المشاريع ذات الصّلة». وما زالت الأسئلة بدون إجابات لماذا دعوة رئيس «كونيمبول» دون غيره؟ ولماذا بعد أسبوعين من قرار اتحاده بطلب زيادة منتخبات مونديال قطر؟ وهل يصح استدعاء رئيس دولة في قارة آسيا، رئيس اتحاد أميركا الجنوبية لكرة القدم، ليناقشه في التعاون بين دولة ونظامها السياسي واتحاد قاري في كرة القدم؟ أضف إلى كل هذه التساؤلات كان هناك مشهد آخر أكثر سرعة، عبر تحرك قطري غير ملحوظ، ولم يفهم الغرض منه وقتها، وتحديداً في منتصف مايو الماضي، عندما قامت الخطوط القطرية بتوقيع اتفاقية رعاية مع نادي بوكا جونيورز الأرجنتيني، ولمدة 4 سنوات، بمبلغ لم يقل بحسب مصادر إعلامية أرجنتينية عن 300 مليون دولار، لكن المفاجأة التي نقدمها لمسؤولي «الفيفا»، من خلال هذا الملف والجهات التي نطالبها بفتح تحقيق عاجل، تمثلت في أن رئيس نادي بوكا جونيورز هو دانيل أنخيليسي، نائب رئيس الاتحاد الأرجنتيني لكرة القدم، وأحد الأصدقاء المقربين من كل من رئيس الاتحاد الأرجنتيني كلاوديو تابيا، وأيضاً الباراجوياني، دومينيجز رئيس اتحاد «كونيمبول»، وليس هذا فقط، ولكنه هو أيضاً من يقود مقترح الاتحاد الأرجنتيني الحالي، بفتح الباب أمام الاستثمار الخارجي في الأندية الأرجنتينية على غرار الأندية الأوروبية، في خطوة تم تفسيرها بأنها لتلبية رغبة النظام القطري في الإنفاق على أندية الأرجنتين، وتباعاً أندية أخرى في أميركا اللاتينية. وفي يوم 15 يوليو الماضي، كانت بداية «المشهد الثاني»، في المسلسل القطري لنشر الفساد من جديد، وهذه المرة خلال وجود كل من تميم بن حمد وأليخاندرو دومينيجز رئيس «كونيمبول»، في موسكو لحضور المونديال الأخير، ولقاء ثنائي جمع كلا الطرفين، التقطته عدسات المصورين، وبدا كل من تميم ودومينيجز وكأنهما يتحدثان في أمر «سري»، لتقوية العلاقات فيما بينهما. تمثل المشهد الثالث في إعلان تميم القيام بجولة لزيارة عدة دول بأميركا اللاتينية أول أكتوبر الماضي، وحددها بالأرجنتين وباراجواي والإكوادور وبيرو، لكن التحرك الأقوى كان في الدولتين الأولى والثانية، وتحديداً حصوله على القميص رقم 10 في كلا البلدين، وكما هو رئيس فإن رئيس الأرجنتين كان رئيساً سابقاً لنادي بوكا جونيورز الأرجنتيني، وله علاقات قوية في عالم كرة القدم واتحاد أميركا الجنوبية تحديدا، وهنا يمكننا أن نربط بين رعاية قطر في مايو الماضي لبوكا جونيورز تحديداً، وأسباب ودوافع ذلك بشكل أوضح، وفي تلك الزيارة، اشترت قطر أراضي شاسعة بالأرجنتين، وأشارت مصادر إعلامية، إلى أن الأمير القطري أبدى رغبته في الاستثمار بالأندية الأرجنتينية، وهنا مرة أخرى، يمكن أن نربط الرعاية القطرية للنادي الأرجنتيني وعلاقة ذلك بأنخيليسي رئيسه الحالي. أما المشهد الرابع فكان في اليوم التالي لزيارة الأرجنتين، عندما قام بزيارة لدولة الباراجواي، وصباحاً وقع عدة اتفاقيات مع الحكومة، ثم لقاء ثنائي مع رئيس الباراجواي، إلى هنا والأمر قد يبدو عادياً، لكن تميم في المساء قام بزيارة لمقر «كونيمبول»، وهو تحرك أثار علامات الاستفهام، فكيف يزور رئيس دولة، مقر اتحاد دولي لكرة القدم، ولماذا تحديداً هذا الاتحاد دون غيره؟ وهل لطلب زيادة منتخبات مونديال 2022 من قبل «كونيمبول»، علاقة بالزيارة وكل هذا الاهتمام والتحرك؟، وهكذا قام تميم بالزيارة، وكان دومينيجز رئيس «كونيمبول»، في استقباله. أما مشهد الخاتمة، أو المشهد الخامس، فكان في ترجمة حقيقية لكل ما سبق، واتفاقية رعاية من قبل طيران القطرية، لاتحاد أميركا الجنوبية لمدة 4 سنوات، بقيمة لم تعلن رسمياً، ولكن أفادت مصادر وثيقة بأن المبلغ يتراوح بين 500 إلى 700 مليون دولار، والمفاجأة أن الاتفاقية التي تمت في الأول من نوفمبر الجاري، ولسنا في حاجة للسؤال عن أسباب هذا التقارب الشديد والصفقة الكبيرة الآن مع اتحاد أميركا الجنوبية لأن الإجابة ظهرت سريعاً عندما تراجع «كونيمبول» عن مقترح زيادة فرق مونديال 2022 إلى 48 !! فلاش باك وبنظرة سريعة للوراء، يمكننا أن نلحظ استمرار نفس الأساليب القطرية « القديمة المتجددة» في شراء الأصوات والولاءات، وكيف تضغط بورقة السياسة على أصحاب القرار الرياضي، وكيف توظف الأموال في رعايات تغري صناع القرار الرياضي، إما للحصول على دعمهم أو لا جبارهم على تغيير مواقفهم، كما يبدو أنه مورس على اتحاد «كونيمبول»، لممارسة نفس اللعبة، ويسير تميم على نهج الأمير السابق الذي غرس بذور الفساد في والضغط السياسي في حملة تنظيم كأس العالم 2022 وتحديداً في 2010 عندما ضغط عبر ساركوزي رئيس فرنسا، على بلاتيني رئيس الاتحاد الأوروبي، لمنح صوت فرنسا لقطر، وقد كشف تقرير المحقق جارسيا «الذي أجراه الفيفا» كيف استغل النظام القطري، اتفاقيات استثمارية مع فرنسا ورئيسها ساركوزي، لتحويل دفة التصويت الأوروبي والفرنسي لصالح الملف القطري، والمكافأة تمثلت في زيادة الاستثمارات القطرية في فرنسا، وشراء باريس سان جيرمان وإطلاق قناة بي إن الناطقة بالفرنسية وإنفاق مليارات هناك. وبربط ما حدث قبل 8 سنوات مضت، يمكننا أن نلحظ التشابه الكبير بين خطوات الأب وقتها، والابن حاليا، والهدف واحد، وهو ضمان السيطرة على القرار الرياضي عالميا، خصوصاً مع توالي الضغوط على الدوحة لسحب المونديال المقبل، ونقله لدولة أخرى، لم تتورط في ملفات فساد كتلك التي أغرقت العاصمة القطرية. تقرير جارسيا بين «الفيفا» و«الكونميبول» الاعتراف سيد الأدلة، هكذا تقول القاعدة القانونية، لكن في ملف قطر ومونديال 2022، تعددت مظاهر الفساد وطرق الرشوة، تارة باتفاقيات تتعلق بشركات نفظ وغاز، يعمل بها من صوتوا للملف القطري مثل اليوناني تفكتريس، أو التايلاندي ماكودي، وكلاهما تمت إدانته خلال تقرير جارسيا، إلا أن ما يهمنا ونلقي عليه الضوء، كخلفية لما يحدث الآن من تحركات لأمير قطر في «كونيمبول» ودول أميركا اللاتينية، هو ما رصده تقرير جارسيا تحت بند « تدخل حكومي» في الصفحة 165 من التقرير. وعرج جارسيا على أن ملفات الدول التي تنافست على شرف تنظيم مونديالي 2018 و2022، كلها شهدت وجود تدخل حكومي، وقال التقرير: «منها استقبال الرئيس الأميركي أوباما عدداً من أعضاء المكتب التنفيذي في البيت الأبيض لدعم ملف أميركا، واستقبال ملكة إنجلترا عدد من مسؤولي المكتب التنفيذي في قصر بكنجهام أيضاً، ورئيس كوريا الجنوبية، قام باستقبال بلاتر» وقال التقرير: «كل هذه الأمور قد تبدو مفهومة، ولم تكن غير عادية أو غير صحيحة، وهدفها تقديم الدعم للملف المقدم خلال المنافسة» أما أهم جزء في هذا المحور، ووفق نص تقرير جارسيا جاء كالتالي: «في لوائح الفيفا هناك ضرورة لتقديم ضمانات حكومية للملف المقدم لاستضافة المونديال، لكن وبرغم كل ما سبق، كان هناك شيء واحد محدد يتعلق بالتدخل الحكومي في الملف المقدم، ويخص محاولات قطر، التي أثارت المخاوف». وقد بين التقرير من الصفحة 165 التي بدأت بزيارة أمير قطر إلى البرازيل وما ارتبط بها من شبهات تقديم هدايا وأموال لأعضاء «الكونميبول»، وترتيبات زيارات بطائرات خاصة من أميركا إلى البرازيل، لنقل كل من جرندونا وتكسيرا رؤساء اتحادات الكرة في البرازيل والأرجنتين والمؤثرين في الكونميبول، على نفقة الديوان الأميري القطري، والأدلة التي تثبت تورط نظام قطر في التلاعب بأصوات المصوتين، وتقديم منح وهدايا ورشى، استمر ذكر تفاصيلها حتى الصفحة 181 التي شهدت رصد تدخل النظام القطري بشكل سياسي واستغلال ورقة السياسة للحصول على مكاسب رياضية في ملف قطر، وأبرزها زيارة الأمير القطري لباريس ولقاء خاص مع الرئيس الفرنسي ساركوزي في 2010، بحضور بلاتيني، وعرض أمير قطر شراء نادي باريس سان جيرمان، وتوسيع الاستثمارات القطرية في فرنسا، وإطلاق قنوات فرنسية، وغيرها من التفاصيل، ذكرها التقرير في تلك الصفحة، وهي كلها تكشف كيف يتحرك النظام القطري للتأثير سياسياً على أي قرار رياضي في أي بقعة بالعالم، مستغلاً سلاح المال. هكذا كانت علاقة النظام القطري بإفساد الفيفا ومسؤولين باتحادات قارية تمت إدانتهم لاحقاً، للفوز بتنظيم المونديال، والآن يتكرر تحرك مشابه، لكن هذه المرة للحفاظ على المونديال من الضياع، بعد اتضاح الوجه القبيح للفوز بشرف التنظيم منذ البداية. «مثلث الفساد» الأكاديميات.. والرعاية.. والإعلام عندما تختلط كرة القدم بالأموال القذرة، تفقد بريقها وسحرها وجاذبيتها، وتتحول إلى مستنقع للفساد، وهكذا ببساطة، باتت أكبر المؤسسات التي تقود اللعبة عالمياً، مرتعاً لفساد تفوح منه رائحة المال القطري القذر الذي كان الظفر بتنظيم «مونديال 2022» يمثل ذروة سيطرته على صناعة القرار بالاتحاد الدولي. أما البداية، فكانت باتفاقيات رعاية وشراكة وتعاون، ظاهرها خدمة كرة القدم في الاتحاد المعني، وباطنها اتفاقيات مشبوهة للتصويت لمصلحة ملف «مونديال 2022»، أو أي ملف يخص قطر من قريب أو بعيد، فكل اتحاد وطني أو قاري، له علاقة بمنصب في «الفيفا» أو الاتحادات القارية، ترعاه قطر، عن طريق اتحاد الكرة القطري، أو الخطوط الجوية القطرية، أحد الأذرع التي يتم توجيهها ستاراً لضخ أموال طائلة في اتفاقيات تهدف لخدمة مصالح معينة تعود بالنفع على الدوحة. وتمثل الطريق الثاني، في إطلاق أكبر إمبراطورية للشر، ولكنه شر من نوع آخر، شر عنوانه «أكاديمية أسباير» وسيلته، هي استغلال الأطفال الفقراء حول العالم، واللعب بأحلامهم مع الكرة، وتحويلهم لمجرد ستار لعمليات رشاوى واتفاقيات مشبوهة، عبر عشرات المقرات، بعضها وهمي، وبعضها حقيقي، لكن هدفهما واحد، ألا وهو توزيع الرشاوى بطرق قانونية تارة، وفي الغرف المغلقة التي تشهد تأسيس تلك الأكاديميات تارة أخرى، ومع مرور الوقت اشترت الأكاديمية نادي أوبين البلجيكي، ليكون نافذة أخرى يمكن استغلالها وقت الحاجة لأعمال مشبوهة جديدة. فيما كانت ثالث الطرق، ترمي للإمعان في السيطرة على كرة القدم عالمياً وقارياً ودولياً، وتمثلت في امتلاك ذراع إعلامي رياضي، يسيطر وحيداً على جميع حقوق البث للبطولات والدوريات العالمية والمحلية، ومن ثم إنفاق عشرات المليارات في شراء تلك الحقوق، بهدف إبهار المشاهد العربي، وأيضاً غير العربي، عبر استوديوهات تحليلية تضم نجوم العالم، ونقل بمعايير جودة عالمية، وهي كلها عوامل يتم توظيفها لاستغلال تلك الصورة الباهرة، لبث رسائل تخدم الأهداف الخبيثة للتنظيم القطري، وللحفاظ دوماً على شكل «بريء» أمام رجل الشارع العربي. وهكذا هي الحقيقة وببساطة، فقطر تبحث عن قوة ناعمة، لكن في الرياضة، لفشلها في تحقيق ذلك سياسياً أو اقتصادياً، حتى تحول الأمر إلى هوس بصناعة «قوة ناعمة» في الرياضة، وهو ما كان وراء رصد الميزانيات المفتوحة، وضخ مليارات الدولارات في آخر 10 سنوات لتحقيق هذا الأمل، وتحويله من حلم ومطمع إلى واقع ملموس، وهو ما كشفته دراسة عالمية نشرها موقع? «Research Gate» ?عن قطر عندما أشارت إلى أن أنها تستخدم الرياضة لتحسين صورتها حول العالم، وهو ما يسمى بالقوة الناعمة التي تروج لصورة قطر بشكل إيجابي في أوساط الملايين من عشاق الرياضة حول العالم، ولكن ذلك لم يمنع العالم من معرفة أن ما يحدث هو أقرب إلى منطق غسيل الأموال، حيث تقوم قطر بنشر الإرهاب، وفي الوقت ذاته، تريد أن تنشر صورة ناصعة لها عن طريق الرياضة، وهو أمر يحمل في طياته الكثير من التناقض، فمن ينشر الرياضة بقيمها الرائعة، لا ينشر الإرهاب بالفكر أو السلاح?.? وكان أبرز ملامح تحقيق حلم القوة الناعمة رياضياً، هو الفوز بتنظيم كأس العالم، الذي تم شراؤه عبر الرشاوى والفساد، وتقرير جارسيا الصادر من الفيفا يثبت ذلك، فكل من صوّت للدوحة قبض الثمن الذي تجاوز المليون دولار للصوت الواحد. «الهدف» بوابة بن همام لشراء أصوات الفقراء كان محمد بن همام، رئيس الاتحاد الآسيوي الأسبق، هو الراعي الرسمي لبداية الطريق إلى نشر الرشى والصفقات السوداء بالنسبة للملف القطري، وهو ما دعا بتروس داماسيب، رئيس لجنة الأخلاق بـ «الفيفا»، إلى أن يصدر قراراً جمد به نشاطه، لاتهامه بتقديم الرشاوى المادية والعينية، ومن ثم إيقافه مدى الحياة عن ممارسة أي نشاط محلي أو قاري أو دولي حينها، وسارعت الدوحة وقتها بإظهار مهاراتها في اللعب على حبلين، وقالت إن بن همام مستقل تماماً، وليس له علاقة بالحكومة القطرية. البداية كانت بمشروع «الهدف»، ذلك المشروع الذي أشرف عليه بن همام لمساعدة الدول النامية كروياً في أفريقيا وآسيا وأميركا الجنوبية، ووافق بلاتر بالطبع أن يمنحه «لصديقه الوفي في بداية الألفية الثانية»، نظراً للدور الكبير الذي قام به رئيس الاتحاد الآسيوي وقتها، في شراء أصوات بالانتخابات، كانت سبباً في فوز بلاتر بمقعد رئاسة الفيفا في صراعه أمام يوهانسين رئيس الاتحاد الأوروبي الأسبق، والذي صرح قائلاً، «لقد كانت لعبة قذرة»، في إشارة إلى أن رشاوى قد تم دفعها من دولة خليجية أرسلت مندوبها بطائرة خاصة محملة بالأموال، لتوزيعها قبل ساعات من التصويت لمصلحة بلاتر، وتكرر المشهد مرة أخرى في 2007، بمساع جديدة من بن همام عندما بدأ بشراء الأصوات أولاً لمصلحة جوزيف سيب بلاترم، وذلك كي يستمر على عرش «الفيفا»، وهذا ما حدث فعلياً. ويتلخص مشروع الهدف في تقديم مساعدات مادية، تمكن الاتحادات من إنشاء بنى تحتية وأكاديميات لتطوير اللعبة لديها، وإنفاق مليارات الدولارات خلال الفترة من بداية الألفية الثانية وحتى 2010، على هذا المشروع، الذي يبدو ظاهره أنه ذو أهداف سامية بالفعل، لكن حوى باطنه، أسراراً يندى لها الجبين، وبات مرتعاً لفساد واتفاقيات يفوح منها رائحة المال القذر، وسبباً في السيطرة على القرار بـ «الفيفا»، وشراء الولاءات والأصوات، واستمر الوضع إلى بعد النجاح في تحقيق هذا الهدف، وإحكام السيطرة القطرية على الفسادين في «الفيفا»، عبر جلسة سرية جمعت بلاتر وبن همام مع أمير قطر السابق، بعد نجاح السويسري في 2007 مرة ثانية بأموال قطرية، حيث أكد بن همام لبلاتر خلال الجلسة بأن الثمن سيكون بأن يأتي بالمونديال إلى قطر وهذا ما حدث!

مشاركة :