استشرف خبراء مختصون خريطة موازين القوى العالمية المستقبلية، في ظل التحولات الاقتصادية والسياسية المتسارعة، وما يشهده العالم من تبلور شكل جديد للعولمة بدأ يمثل توجها سائدا، يقوم على زيادة النمو في عولمة السلع والخدمات الرقمية مقابل تراجع حركة التجارة والمال بصورتها التقليدية. جاء ذلك، ضمن فعاليات الدورة الثالثة لمجالس المستقبل العالمية التابعة للمنتدى الاقتصادي العالمي "دافوس" المنعقدة في دبي، حيث ركزت أربعة مجالس من أصل 38 مجلسا تجتمع لبحث وتشكيل ملامح المستقبل، على التغييرات المتوقعة خلال السنوات المقبلة في كل من القارة الأوروبية وروسيا وشبه الجزيرة الكورية ومنطقة الشرق الأوسط، مع ما تشكل من معطيات وتطورات خلال الفترة الأخيرة على أكثر من صعيد. وقال المهندس عبدالله السواحه وزير الاتصالات وتقنية المعلومات، في اجتماعات الدورة الثالثة لمجالس المستقبل العالمي إن السعودية بادرت بإطلاق العديد من الخطط الاستراتيجية والبرامج الطموحة لمواجهة التحديات المستقبلية، وفي طليعتها "رؤية المملكة 2030" الهادفة إلى تطور ونمو كافة القطاعات، ولا سيما قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات لتحقيق التحول الرقمي المنشود لبناء مجتمع رقمي، وحكومة رقمية، واقتصاد رقمي مزدهر ذي صناعة مبنية على الثورة الصناعية الرابعة للوصول إلى اقتصاد رقمي تنافسي ومستدام يحقق حياة عامرة ومستقبل أفضل للمملكة. وأوضح وزير الاتصالات وتقنية المعلومات، أن الاجتماعات تمثل أكبر تجمع عالمي لمستشرفي المستقبل والعلماء، ما يمثل فرصة مهمة للمملكة للاطلاع على أحدث التوجهات وأفضل الممارسات العالمية لتعزيز التكامل بين الدول والمنظمات والشركات لتحقيق الخير للناس في جميع أنحاء العالم، من خلال إعداد الحكومات والمجتمعات للتغييرات المستقبلية المتوقعة وتزويدها بالأدوات اللازمة للانتقال إلى المستقبل. وبحثت مجالس المستقبل العالمي في اجتماعاتها التي تعد أكبر عملية عصف ذهني في العالم لصياغة خريطة طريق تقود للمستقبل المنشود، العديد من الموضوعات المهمة في مقدمتها الأمن الإلكتروني، ومستقبل الحوسبة الكمية، ومستقبل الحوكمة، ومستقبل الابتكار، ومستقبل التكنولوجيا الحيوية، ومستقبل الطاقة المتقدمة والمياه، ومستقبل النقل، ومستقبل الفضاء ومستقبل الصحة والرعاية الصحية، ومستقبل التعليم، ومستقبل التكنولوجيا والعلوم المتقدمة، ومستقبل التجارة والاستثمار ومستقبل الترفيه وغيرها. وستشكل نتائج هذه الاجتماعات جدول أعمال الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2019 في دافوس بسويسرا. إلى ذلك، أكد المجتمعون أن التغيرات المتسارعة على مراكز النمو الاقتصادي العالمي، دفعت باتجاه تحول مناطق النفوذ الاقتصادي والسياسي تدريجيا بعيدا عن مراكز القوة التقليدية إلى مناطق جديدة مثل الهند والصين وإفريقيا وجنوب شرق آسيا، وما زالت تدفع باتجاه التغيير على تركيبة النظام العالمي إلى نموذج عالمي متعدد القوى. واستشرف مجلس مستقبل قارة أوروبا إمكانات هذه المنطقة في تأكيد وزنها السياسي والاقتصادي في نظام عالمي متعدد الأقطاب تتزايد فيه القوى الجديدة وتتغير فيه صيغ العلاقات والتحالفات، وبحث المجتمعون سبل نجاح أوروبا في تنفيذ الإصلاحات الضرورية، بالتوازي مع الحفاظ على استقرارها وتأكيد دورها القيادي العالمي. واستعرض المجلس الحلول المتاحة لمواجهة هذه التحديات المستقبلية، بما في ذلك بناء رؤية اقتصادية شاملة طويلة المدى تسمح لأوروبا بالاستفادة بشكل أفضل من أصولها في الثورة الصناعية الرابعة، ممثلة بالنموذج الأوروبي للابتكار. في سياق متصل، جمع مجلس مستقبل روسيا نخبة من الخبراء بهدف إعادة التفكير في مستقبل روسيا واستكشاف دورها المستقبلي في العالم، واستكشاف الإمكانات المستقبلية لروسيا من حيث اقتصادها ومجتمعها ومدى استعدادها للثورة الصناعية الرابعة. واستعرض المشاركون في اجتماع المجلس أهم محركات التغيير المستقبلي في روسيا خلال السنوات المقبلة، وتأثيرها على التنمية في الدولة، والاحتمالات المستقبلية لروسيا، من حيث رؤيتها واستراتيجيتها الوطنية وطموحاتها المستقبلية العالمية. وضمن أعمال اجتماع مجلس مستقبل شبه الجزيرة الكورية، استعرض المجتمعون آليات العمل الكفيلة ببناء الثقة وترسيخ عملية السلام الجارية بين الجارين الجنوبي والشمالي، وتمهيد الطريق أمام اندماج كوريا الشعبية الديمقراطية مستقبلا في الاقتصاد العالمي، وإنشاء روابط استراتيجية بين مبادرات التعاون الاقتصادي المختلفة حول شبه الجزيرة الكورية وجيرانها. وركز الاجتماع على الفترة الانتقالية المفصلية التي تمر بها شبه الجزيرة الكورية حاليا، بعد فترة طويلة من توتر العلاقات بين الجارتين، لبحث إمكانات حدوث تغيرات جذرية على المشهد الجغرافي الإقليمي، وما سيوفره ذلك من إمكانات التعاون الاقتصادي والازدهار المستقبلي للأطراف الفاعلة الرئيسية. مجلس مستقبل منطقة الشرق الأوسط على صعيد آخر، استعرض مجلس مستقبل منطقة الشرق الأوسط مجموعة من المقاربات الجديدة في مجالات الأمن والتعاون الاقتصادي المستقبلي في المنطقة في سياق عالم متعدد الأنظمة، وسط نظم مفاهيمية وقيمية متعددة آخذة بالتشكل بشكل متزايد، بتأثير مباشر من الموجة التكنولوجية التي تحملها الثورة الصناعية الرابعة. وبحث المجتمعون التحديات التي تمر بها المنطقة من حيث استمرار حالة انعدام الاستقرار في عدد من الدول، والأسباب الاقتصادية والاجتماعية الكامنة وراءها، وناقشوا سبل التعامل مع الديناميكيات المعقدة المؤثرة في مستقبل المنطقة، في ظل تواصل التغيرات العميقة في الاقتصادات الأساسية فيها، والعلاقات المتغيرة. يشار إلى أن الإمارات تنظم بالشراكة مع المنتدى الاقتصادي العالمي "دافوس"، الدورة الثالثة لاجتماعات مجالس المستقبل العالمية، تحت رعاية الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، ويشارك فيها أكثر من 700 من العلماء ومستشرفي المستقبل والخبراء، ضمن 38 مجلسا تستشرف مستقبل القطاعات الحيوية لوضع حلول عملية لتحدياتها.
مشاركة :