إسلام أباد - ظلت دولة باكستان على امتداد عقود من الزمن في نظر وسائل الإعلام الدولية بمثابة أرض خصبة للإرهاب، مما أدى إلى ترسّخ صورة ملوثة وسلبية عن البلاد. ومنذ تقلده منصب رئيس وزراء لباكستان اصطدم عمران خان بموجة من تهديدات المتشددين بعدما توعد أصوليون إسلاميون باكستانيون غاضبون إزاء تبرئة مسيحية بتهمة التجديف الخميس، بمواصلة الاحتجاجات التي تشل مدنا رئيسية. وجاءت تهديدات الأصوليين بعد يوم من توعد رئيس الوزراء عمران خان بمواجهة المتشددين. وحول مستقبل باكستان، أظهر استطلاع أجرته مجلة الشؤون الآسيوية، سأل عددا من الدبلوماسيين عمّا يتبادر إلى أذهانهم عند سماع كلمة “باكستان”؛ فكانت مفردات إجاباتهم بشكل عام “الأسلحة، الإرهاب، الأمن، الإسلام، وحركة طالبان”. وفي ذات السياق، ألقى رئيس الوزراء المنتخب حديثا عمران خان خطابا، أعاد فيه التأكيد على الأساس الإسلامي للتشريع الباكستاني. وشدّد على عدم وجود قانون في البلاد يمكن أن يحل محل القرآن والسنة، كما أكد أن مشاعر الجماعات المتطرفة ليست مقياسا للنجاح، وليست مصدرا للشرعية لأحكام القضاء. وأصبحت حقيقة إسهاب رئيس الوزراء الباكستاني كثيرا في المواضيع الإسلامية، خلال خطاباته العلنية، جلية بشكل خاص لتعزيز استراتيجيته في التواصل، والتي يسعى من خلالها بوضوح إلى كسر احتكار الجماعات المتطرفة للدين. ففي كل مقابلة يجريها مع وسائل الإعلام، يؤكد خان على مرجعيته الدينية. وبعد قياس تأثير خطابه في كسب القلوب والعقول داخل باكستان، يعتقد أن هذا المسعى سيؤدي في نهاية المطاف إلى تحسين صورة البلاد العامة. وإحدى الملاحظات حول استراتيجية خان للتواصل، هي أنه يحاول استخدام الأجندة الإسلامية كمحفّز للرفاهية الاجتماعية والتنمية الاقتصادية. وهو ما يتجلى بوضوح في خطاباته؛ فالهوية الإسلامية تشكل المبدأ الرئيس في صنع باكستان، والرخاء الاقتصادي يخاطب أوجاع وشكاوى الناس الذين يرغبون في رؤية إصلاح في كل الجوانب الاجتماعية. في كل مقابلة إعلامية يجريها عمران خان مع وسائل الإعلام المحلية أو العالمية، يؤكد على مرجعيته الدينية الإسلامية كل هذا بالتأكيد تطور مثير للاهتمام، لأنه إذا نجح خان في الوفاء بوعوده، فإن قيادته ستضرب عصفورين بحجر واحد، تحسين الصورة العامة لباكستان محليا ودوليا، مع كبح جماح أكثر المجموعات تطرفا من خلال كسر “شبه احتكارها” للخطاب الديني. ومن خلال تحقيق انتقالات سلسة في الدوائر الانتخابية، ظهر زعيم يتمتع بكاريزما هو عمران خان، وفاز بالسباق الانتخابي عام 2018. كما اكتسب زخما وأصبح يتمتع بشعبية على الصعيد السياسي، وبذلك أصبحت قيادته محط اهتمام وفضول في وسائل الإعلام العالمية وبين النقاد السياسيين. لكن الهوية الإسلامية لخان لم تستحضر الصور النمطية الاعتيادية التي تحرص وسائل الإعلام الغربية على طرحها. هذا العامل المميّز يمكن إيجاده مشروحا في مقال يعرض فيه خان أفكاره حول مفهوم الاستقطاب، الذي يقسّم المجتمع الباكستاني: النخب المتعلمة في الغرب الذين لا يفهمون الإسلام، مقابل السكان المحافظين الذي يتفاعلون ضدهم. ويرى خان أيضا أنه ينبغي تعبئة الموارد لمساعدة الفئات المثقفة على فهم الإسلام الحقيقي، إلى جانب التوسط لحوار بين القطبين المتعارضين. ولم تشهد باكستان من قبل زعيما سياسيا يستخدم هذه الاستراتيجية. ويبدو أن خان يفهم تحديات العالم الحديث. كما يبدو أن خان يعرف أيضا أولوياته بوجوب معالجة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية للبلاد؛ لكنه لا يستطيع تحقيق وعوده إذا ما ظلت الشرعية الإسلامية للبلاد تتعرض للتحدي من قبل أكثر العناصر تطرفا في البلاد. ولذلك هو يتواصل خان مع الشعب بشكل مباشر. فمن بين الأسباب وراء ظهوره الفعال، يمكن ذكر ماضيه كأحد مشاهير الرياضة. وينسجم موقفه ضد الفساد والمحاباة مع مظالم طبقة اجتماعية ناشئة في باكستان. لأن هذا المجتمع النامي يتطلب فرصا اقتصادية. إلا أن أكثر العناصر تطرفا في البلاد تعوق فرص النجاح هذه من خلال معاركهم “الدون كيشوتية”. ومع ذلك، هناك أمل يلوح في الأفق، بأن باكستان قد قفزت أخيرا إلى القرن الحادي والعشرين. وإذا استخدم خان هذه القدرة بشكل حكيم، فقد يكون له تأثير إيجابي للغاية وطويل الأمد على نظام الحكم في باكستان.
مشاركة :