تقديم الخدمات السياحية فن يحتاج إلى دروس تكون قاسية للمبتدئين، لذلك بعثت مدارس متخصصة في جميع أنحاء العالم، لكن أقدمها كانت لرجل قيل عنه إنه لن يكون رجل فنادق حقيقيا إلا أنه سرعان ما تعلم أصول المهنة التي تعتمد إرضاء الزبائن مهما كانت أمزجتهم، وتحافظ المدرسة إلى اليوم على مناهجها الصارمة منذ قرن وربع القرن، ومازال الطلبة يقبلون عليها من مختلف دول العالم رغم تكاليفها الباهظة. لوزان (سويسرا) – ترتفع التنورة بمقدار عرض بطاقة ائتمان فوق الركبة. قد لا تكون تنانير الطالبات في مدرسة “إي.إتش.أل” الفندقية الشهيرة في لوزان، بسويسرا، أقصر من ذلك. وبالنسبة للطلاب الذكور فالزي هو بدلة وقميص وربطة عنق، وذلك في جميع الأيام. احتفلت أقدم مدرسة فندقية في العالم مؤخرا بذكرى مرور 125 عاما على تأسيسها، لكن الطلاب لا يظنون أن قواعد تعليم أصول الفندقة أتى عليها حين من الدهر. يقول توبياس إيرليخ، وهو طالب من ألمانيا نشأ في النمسا، “من الجيد ارتداء ملابس أنيقة كل يوم.. هذا يمنحني شعورا بالقيام بشيء مناسب. وأنا أكثر إنتاجية عند ارتداء البدلة”. وتُدّرب مدرسة الفندقة في لوزان مديري الفنادق من جنسيات مختلفة، ويقوم الآلاف من الخريجين بتوجيه وإدارة الفنادق الكبرى، والشركات الاستشارية، وأقسام الشركات التي ترتبط بطريقة أو بأخرى بالفنادق وقطاع الضيافة في جميع أنحاء العالم. ويشمل التدريب أخذ فكرة عامة عن كل قطاع من أعمال الفنادق، وخلال فترة الدراسة التي تستغرق أربع سنوات، يجب على جميع الطلاب الذين يصل عددهم إلى ثلاثة آلاف في بعض الأحيان غسل الصحون وتنظيف أرضيات المطبخ وإعداد موائد الطعام وتحضير الشوكولاتة وتعلم فنون الطهي وتحضير شرائح اللحم، وتذوق مختلف أنواع النبيذ. وتسأل لارا مونيكي، وهي ألمانية (19 عاما) نشأت في فنزويلا: “بدون هذه التدريبات التي تبدو شاقة بالنسبة للشباب، كيف يمكن لاحقا لشخص ما أن يدير فريقًا عندما لا يعلّم نفسه كيف يتم ذلك؟” التقديم أول ترحيب بالزبونالتقديم أول ترحيب بالزبون وهناك منح دراسية متاحة، لكن معظم الطلاب الأجانب يجب أن يدفعوا 160 ألف فرانك سويسري (160 ألف دولار) لتدريبهم لمدة أربع سنوات، بالإضافة إلى الإقامة. ونتيجة لذلك، هناك العديد من الطلاب الذين ينحدرون من عائلات ثرية. وبالنسبة لبعضهم، قد يكون غسل الصحون والعمل في المطبخ أو المطعم بمثابة صدمة. يقول رئيس الطهاة سيريل ليكوسيوس، الذي يُعلّم الطلاب تقديم وصفات جديدة، “البعض منهم لم يتعود على التنظيف أو خدمة الآخرين.. ذات مرة جاء أحدهم متأخرا للغاية ثم تحدث معي بعدم اهتمام.. وهذا أمر غير مقبول، هنا يتعلم الجميع الاحترام والدقة والالتزام بالمواعيد”. ويجب على كل طالب أن يأتي مرتديا ثوبا ناصع البياض ومئزرا يتم كيّه بواسطة الشخص نفسه. يقول ليكوسيوس، “الأمر لا يتعلق فقط بكيفية الطهي ببراعة، بل الشعور بالإبداع.. إذا لم تخرج بأفكار جديدة، فسيقوم منافسوك بذلك”. وتقول أودري جيليت، رئيسة قسم المعجنات، وهي تقوم بإعداد الشوكولاتة مع مجموعة أخرى، “لا يتعلق الأمر بالكفاءة في حد ذاتها، بل بالمزيد من العمل الجماعي والصفات القيادية.. الأمر يتعلق بمن هو حصيف ويستجيب للآخرين ويجد الحلول.” ومنذ ذلك التاريخ يتمتع قطاع الفنادق السويسري بسمعة رفيعة من حيث الخدمة والخبرة العالية الجودة، بفضل ما عُرفت به البلاد من تقاليد راسخة في مجال الضيافة وإعداد الطعام للسياح الأغنياء، يقول ميشيل فيرلا، المتحدث باسم مدرسة “إي.إتش.أل”، “في النهاية، تم ابتكار السياحة عمليا في سويسرا”. ومع بناء السكك الحديدية السويسرية، جاء أول السياح الإنكليز إلى جبال الألب. ولاحظ المضيفون السويسريون سريعا أن البريطانيين لا يتطلعون إلى حانات بسيطة بل إلى الفخامة البحتة. وكان أحد الطلائع لحركة الفنادق هو سيزار ريتز، الذي توفي قبل 100 عام. ويقع قبره في قريته في نيدروالد. وكان ريتز الطفل الثالث عشر لعائلة تعمل في الزراعة. وخلال التدريب المهني كنادل في الوادي، لم تكن لديه أي موهبة طبيعية. وقال له رئيسه ذات مرة، “لن يأتي منك رجل فنادق حقيقي”. لكن ريتز ذهب إلى باريس وفيينا، حيث درس عادات النزلاء المشهورين وتحبب إليهم مستخدما الكثير من المواهب. ومبدأه هو أن “الزبون دائما على حق”. وسرعان ما طلب منه أصحاب الفنادق المشورة في كيفية تحسين شكل مؤسساتهم. وكان ريتز أول من ابتكر الغرفة مع حمامها الخاص، وكان يُسعد الضيوف بإدارته لحل الأزمات بلا كلل، فعندما انطفأت الأنوار ذات مرة في فندق كبير، خلق جوا خاصا بفيض من الشموع المضاءة. وعندما توقفت وسائل التدفئة، قام بإحماء الحجارة في النار وملأ بها أوعية الزهور لتكون بمثابة دفايات. دروس مكثّفة لمهام كبيرةدروس مكثّفة لمهام كبيرة وفي عام 1898، قام ببناء أول فندق يحمل اسمه في “بالاس فيندوم” في باريس. وحتى يومنا هذا، يعد أحد أفخم الفنادق في العالم. وأمضت الأميرة ديانا الساعات الأخيرة من حياتها هناك قبل موتها المفجع في حادث سيارة عام 1997، وصك الأميركيون مصطلح “ريتزي” لوصف شيء أنيق أو رائع. وبالعودة إلى الفصل الدراسي في المدرسة الفندقية بلوزان، تقول الطالبة الألمانية جوليا كولب، إنها تريد، بعد إنهاء دراستها، أن ترى العالم الواسع الكبير. ومنذ بداية دراستها، تستطيع الفتاة (21 عاما) أن تحكم على الفنادق بعين ناقدة. فهي تعترف أن “تحمّل النزلاء غير المرغوبين هو أهم درس تعلمته بالفعل”. وتقول عن مثل هذه المواقف، “حافظ على الهدوء وابتسم”. وهي لا تكشف عن الدول التي يأتي منها النزلاء المزعجون، فالحصافة مسألة تحتل أولوية قصوى بالنسبة لمديري فنادق الغد.
مشاركة :