ظلت نويمي ترتعش لأكثر من 4 ساعات بسبب البرد الشديد والخوف الكبير داخل وحدة تجميد في متجر لبيع الطعام اليهودي، بينما كان رجل مسلح مجرم يتحرك بهياج بالأعلى. وكانت غرفة التخزين الباردة هي طوق النجاة، حيث اختبأت داخلها في فترة ما بعد ظهيرة يوم الجمعة هربا من الرصاصات التي أودت بحياة آخرين. ومع حلول الليل، احتضنت الرهائن الآخرين، وكانت تشعر بالقلق من أن تصبح هذه الغرفة هي قبرها. وأخبرت نويمي صديقها أنطوني رافو البالغ من العمر 29 عاما في مكالمة هاتفية بعد الخامسة مساء: «نحن خائفون للغاية، ونشعر بالبرد الشديد. اطلب من الشرطة أن تسرع في الحضور». وبعد دقائق، ومع غروب الشمس، اقتحم ضباط شرطة مسلحون المتجر وسط سحابة كثيفة من الدخان والأصوات والنيران. وركضت الرهائن نحو الأبواب عند إطلاق الضباط النار على الرجل المسلح لترديه قتيلا، واضعين نهاية للموقف المتجمد. ومع ذلك أسفر حصار متجر «هايبر كاشير»، في حي بورت دي فينسين بشرق باريس عن سقوط 4 قتلى من الرهائن، وأدى إلى شعور الجالية اليهودية في فرنسا، التي يزيد عددها عن النصف مليون، بأنها هدف لأعمال العنف التي يرتكبها مسلمون متطرفون. على الجانب الآخر، انتهت حادثة تم فيها اختطاف رهينتين، وهي ذات صلة بمذبحة يوم الأربعاء التي استهدفت صحيفة «شارلي إيبدو» الساخرة، مساء أول من أمس (الجمعة)، بتوقيت باريس، حين اقتحمت قوات الشرطة الموقعين بشكل متزامن، وتم قتل الـ3 أشخاص المشتبه بهم. على مدى 3 أيام أثارت الذعر في الدولة، نفذ 3 أشخاص لهم تاريخ طويل من الارتباط بمنظمات إرهابية 3 هجمات إرهابية عنيفة. استهدف الهجوم الأول صحيفة، والثاني رجل شرطة، والثالث متجر بقالة يبيع الأغذية اليهودية. وأكد الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، في خطاب موجه إلى الأمة مساء الجمعة أن الهجوم الأخير «معادٍ للسامية». لم يكن هناك أي شيء مثير للريبة في حي بورت دي فينسين الراقي الزاخر بمباني القرن الـ19 المنخفضة، الذي يقيم به مسلمون ويهود لكثير منهم تراث مشترك يعود أصله إلى شمال أفريقيا. وبدأت عملية احتجاز الرهائن بعد الظهيرة، عندما دخل أحمدي كوليبالي، المواطن الفرنسي من أصل سنغالي البالغ من العمر 32 عاما، المتجر، وبدأ في إطلاق النار. وبدأ الهجوم قبل ساعات من بداية عطلة السبت اليهودية (مساء يوم الجمعة)، وهو وقت ذروة في المتاجر التي تبيع الأطعمة اليهودية. وبينما كانت الشرطة تقيم كردونا أمنيا حول المبنى، كان السكان في الخارج يتساءلون عما حدث لأصدقائهم وزملائهم المحتجزين في الداخل. وكانت سيدتان تعملان في المتجر، لكنهما كانتا في إجازة وقت الهجوم، تبكيان، وهما تتصلان بأصدقائهما وتعتريهما حالة من الهياج. وقالت أحدهما إنها تلقت مكالمة من زميل لها قال بصعوبة: «إنهم يطلقون النار»، قبل أن ينقطع الخط. وقالت السيدة التي رفضت ذكر اسمها عن زملائها: «لقد تم استهدافهم فقط لأنهم يهود. إنهم أشخاص عاديون يحاولون القيام بعملهم». واتفق مالك زادي، وهو شاب فرنسي من أصل جزائري يبلغ من العمر 25 عاما، مع الرأي القائل إن الهجوم استهدف اليهود، لكنه أشار إلى تعرض المسلمين أيضا للاحتجاز كرهائن. وقال زادي: «إنه متجر لبيع الأغذية اليهودية، لكن لا يذهب إليه اليهود فقط. أنا أيضا أذهب إلى هناك، وهناك مسلمون ويهود ومسيحيون في هذا الحي. إنه مثل باريس؛ بوتقة تنصهر فيها الخلفيات الثقافية المختلفة، إنه نموذج للتعايش». وواجه هذا التعايش، خلال الأسبوع الحالي، تحديا لم يواجهه من قبل، بسبب هجمات دمرت أسس وقواعد المجتمع الفرنسي. مع ذلك، وعلى عكس الشقيقين اللذين اختطفا رهينة واحدة عندما هاجما المبنى التجاري صباح الجمعة، قبل أن يطلقا سراحه، هاجم كوليبالي متجر بقالة يعج بالعاملين والزبائن. وكان هناك 16 رهينة، من بينهم أطفال، بحسب تصريح أحمدي كوليبالي للمحطة. وقد تفاخر بأنه قتل 4 أشخاص، وأوضحت الشرطة أنه كان يهدد بقتل المزيد في حال مهاجمتهم لشركائه في دامارتين. واحتجز كوليبالي عددا من الرهائن أكبر مما يعلم، فقد تمكن البعض من الاختباء في غرفة التخزين الباردة. مع ذلك لم تكن نويمي والآخرون الذين يحتضنون بعضهم بعضا لديهم علم بذلك، حيث كانوا يشعرون بالذعر مع كل صوت يأتي من الأعلى، وأخذوا يفتشون أرضية الغرفة بحثا عن صناديق فارغة أو أي أشياء أخرى من أجل الاختباء. وطلب رافو (الذي رفض الإفصاح عن اسمه بالكامل) من نويمي، حين اتصلت به هاتفيا، ألا تشعر بالذعر، وأخبرها أن الشرطة ستبذل قصارى جهدها. وأخبرها رافو، الذي خرج من المتجر قبل هجوم كوليبالي بـ5 دقائق، أن تحافظ على شحن بطارية هاتفها الجوال، وأنهيا المكالمة. وفي غضون دقائق سُمع دوي النار 3 مرات في شوارع الحي، بينما كانت قوات الشرطة تلقي قنابل تشلّ الحركة لتبدأ عملية الاقتحام. وبعد فترة من التوقف، ارتجت الأرض نتيجة طلقات نار استمرت لـ30 ثانية. وعلى مقربة من المكان اقتاد الآباء أطفالهم ولجأوا إلى مداخل البيوت القريبة، ثم ران الصمت. وبعد عملية الاقتحام بأكثر من ساعة، قال رافو إنه كان يعتقد أن صديقته نجت، لكنه لم يستطع الاتصال بها. وقال: «آمل أن تكون لدى قوات الشرطة». وقال مسؤولون إن عملية الاقتحام، التي تمت بالتزامن مع عملية إطلاق نار على الأخوين كواشي في دامارتين، أسفرت عن مقتل منفذي الهجوم الثلاثة، مما ساعد في تحرر الرهائن الذين كانوا لا يزالون على قيد الحياة. وأثنى هولاند في خطابه الموجه إلى الأمة على ضباط سلطات تطبيق القانون لجهودهم، مؤكدا أن العنصرية أو معاداة السامية لن تنجح في تقسيم فرنسا. مع ذلك، في شوارع حي بورت دي فينسين، عبّر السكان عن خوفهم المثير للقلق من أن تؤدي الأحداث التي شهدتها الأيام الثلاثة الماضية إلى اندلاع موجة لا تنتهي من أعمال العنف. وقال سام كوهين البالغ من العمر 22 عاما، ويرتدي سترة سوداء ذات غطاء رأس فوق قبعة «الكيباه» اليهودية: «إنها ليست سوى البداية للمصير الذي ينتظر فرنسا. سيحمل الجميع السلاح، وسيسقط المزيد من القتلى كل يوم».
مشاركة :