بعد نحو أسبوع من إصدار التكليف الرسمي للحبيب الصيد بتشكيل الحكومة الجديدة، بقيت مختلف النقاشات في حدود التشاور السياسي حول هيكلة الحكومة وبرامجها ذات الأولوية دون التطرق إلى أسماء المرشحين لتولي الحقائب الوزارية، وهو ما عزز التخمينات، وقدم يوميا لائحة مطولة بأسماء المرشحين. وجرى الاتفاق بين معظم الأحزاب السياسية على أن تكون الحكومة «مختصرة» بحيث لا يزيد عدد أعضائها عن 35عضوا (23 وزيرا و10 كتاب دولة) وهو ما يجعل الفوز بحقيبة وزارية مسألة مقعدة للغاية. ووردت على طاولة رئيس الحكومة المكلف 3 أسماء مرشحة لكل حقيبة وزارية، على أن يقع الاختيار في نهاية المطاف فيما بينها على أساس عدة مقاييس، أهمها ما تتطلبه المرحلة السياسية من كفاءة في التسيير والاستجابة لانتظارات التونسيين، بالإضافة إلى التجربة في التعامل مع مكونات المجتمع المدني. وتطرح حركة نداء تونس الفائزة في الانتخابات البرلمانية والمتزعمة للحكومة الحالية «مشاركة الجميع في تأسيس المرحلة المقبلة، تحت شعار (الوحدة الوطنية) لتجاوز التحديات السياسية والأمنية والاجتماعية الكبرى». وتعاني أجندة رئيس الحكومة المكلف من كثرة المرشحين، ومطالبة قيادات من حركة نداء تونس بضرورة «جني ثمار العمل السياسي المضني منذ تأسيس الحزب قبل نحو سنتين ونصف السنة». وقد جعله هذا الواقع السياسي يؤكد حاجة تونس للكفاءات الفنية إلى جانب الكفاءات السياسية، للحد من هجوم القيادات السياسية على المناصب الوزارية المقترحة. غير أن الحبيب الصيد رئيس الحكومة المكلفة يواصل المشاورات في كنف السرية لاختيار أعضاء حكومته الجديدة، في ظل ضغوط متأتية من عدة أحزاب سياسية، سواء منها من يطلب المشاركة في الحكومة أو من يحاول استبعاد أطراف سياسية أخرى من المشاركة، وجرها إلى صفوف المعارضة. والتقى الصيد خلال الفترة الماضية برؤساء أحزاب حركة النهضة وتحالف الجبهة الشعبية والاتحاد الوطني الحر والمسار الديمقراطي الاجتماعي وحزب آفاق تونس وحزب التيار الديمقراطي، وفتح الباب أمام كل الأحزاب الممثلة في البرلمان وبعض الشخصيات الوطنية، وكذلك ممثلو «الرباعي» الراعي للحوار. وتجمع المشاورات على وجه الخصوص حركة نداء تونس الحزب الفائز بأغلبية المقاعد البرلمانية (86 مقعدا)، وكل من حزب التيار الوطني الحر (بزعامة سليم الرياحي، وله 17 مقعدا برلمانيا) وحزب آفاق تونس (برئاسة ياسين إبراهيم، وضمن 8 مقاعد) وحزب المبادرة الدستورية (بزعامة كمال مرجان، وله 3 مقاعد برلمانية)، وهي الأحزاب التي أعلنت تحالفها مع حركة نداء تونس منذ الإعلان عن نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة. وتمكِّن هذه الأحزاب المتحالفة الحكومة المقبلة من نيل ثقة البرلمان في حال عرضها على التصويت، على اعتبار أنها تتمتع بأكثر من الأغلبية المطلقة (تجمع 114 صوتا، في حين أن الأغلبية المطلقة 109 أصوات)، دون اعتبار أصوات حركة النهضة (69 صوتا)، التي قد ترفع عدد الأصوات المؤيدة لحكومة الصيد إلى حد 183 صوتا. وبشأن الأولويات المطروحة على الحكومة الجديدة، قال محمد عبو رئيس حزب التيار الديمقراطي (تأسس بعد الثورة) لـ«الشرق الأوسط» إن «الحفاظ على المسار الديمقراطي والالتزام باحترام حقوق الإنسان، مع فرض احترام القوانين، من أهم أولويات الحكومة المقبلة، خاصة في ظل وجود تخوفات لدى جزء من المجتمع التونسي تجاه الوضع السياسي الجديد». واعتبر أن حزبه سيكون في صفوف المعارضة، وأنه سيلعب «دوره كمعارضة جدية ونزيهة، وسيتولى تقديم الاقتراحات». في السياق ذاته، بدأت حركة النهضة اجتماعا لمجلس شورى للنظر في إمكانية المشاركة في حكومة الوحدة الوطنية المقترحة. ومن المنتظر، وفق تصريح نور الدين البحيري عضو مجلس الشورى، النظر في 3 نقاط أساسية، تتمثل في تقديم ملخص لرؤية الحركة للحياة الاقتصادية والاجتماعية، وموقفها من إعادة هيكلة الوزارات، واختصار الكثير من الحقائب الوزارية، بالإضافة للشخصيات التي يمكن أن تشارك في التركيبة الحكومية المزمع تشكيلها. وأشار البحيري إلى أن حركة النهضة ستعرض على مجلس الشورى المكون من 150 عضوا مقترحات حول النقاط الـ3 المطروحة للنقاش، مبينا أن حركة النهضة تدعم «فكرة تشكيل حكومة وحدة وطنية على نطاق موسع». ورجحت مصادر مقربة من حركة النهضة موقف المشاركة في حكومة الحبيب الصيد الجديدة لعدة أسباب، من بينها هشاشة الأوضاع الأمنية والاجتماعية، وعدم احتمال المزيد من التعطيل في الإيفاء باستحقاقات الثورة من تنمية وتشغيل، وإمكانية تأثير الوضع الإقليمي المتردي على الأوضاع الداخلية في تونس، إلى جانب دعم المسار الديمقراطي، والسعي إلى استكماله بعيدا عن المعارضة السلبية.
مشاركة :