«شهوة الكلام» .. تشخيص من الصقاعي للواقع

  • 1/12/2015
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

لم يتمكن الصديق الراحل غرم الله حمدان الصقاعي من استقبال النسخة الأولى من كتابه (شهوة الكلام الذهنية البدوية والتصحر الثقافي)، الصادر عن دار أروقة، والمعروض حاليا في معرض الدوحة للكتاب، وأوضح الناشر هاني الصلوي أن الكتاب لافت ومهم، كونه يرصد الظاهرة الصوتية للعرب، وعشق الثرثرة لامس عبره الصقاعي توجه المجتمعات العربية عبر تاريخها الطويل، كونها أمة مهووسة باللغة والاشتغال عليها من حيث التركيب والمعنى والشعر، كان وعاء يحفظها ويساعد على توارثها من جيل إلى جيل، وتناول ظاهرة التعامل مع اللغة منذ العصر الجاهلي، كون العرب أمة الكلام والبلاغة والشعر والخطابة، وكون رموز القبيلة الشعراء والفرسان معا يتقاسمون غنائم انتصاراتهم في أحاديث يتسامرون بها ويحفظونها للأجيال من بعدهم، فلم يبق من آثارهم إلا كلام يتناقله الرواة وتعلمه المدارس في المجتمعات التي تحتفي بالشعر كونها مجتمعات مشافهة، فيحضر الصوت كقانون يحكم علاقتهم بالحياة والآخر، وتصبح الكلمة المنطوقة هي القانون الحاكم بينهم، إنها سيادة القول، ويذهب إلى أن «إشكالية الفعل (قال) ومشتقاته كونه أصبح المرجعية لإصدار الأحكام على الناس وتصنيفهم، وغدا الوسيلة الأنجح للتخوين والتشكيك في الآخرين، مع أن من يستخدمه لا يخرج عن القول أيضا وليس لقوله من القوة والصدق إلا أنه يقوله في الأماكن التي يعلم بقابلية الناس لتصديقه وليس لمناقشته ومحاسبته» . وحاول الصقاعي قراءة المشهد الثقافي السعودي وخطاباته التي تقوم ــ برأيه ــ «على الكلام ولا غيره والتي تظهر شهوتنا للكلام من خلال شواهد كثيرة من قضايانا التي مضى نصف قرن لبعضها، ونحن ما زلنا نتكلم فيها وفي صحتها دون العمل لاتخاذ إجراءات حقيقية وعملية تساهم في إنهاء تلك القضايا التي أصبحت زادا لكل ذي شهوة للكلام، وما قيادة المرأة للسيارة والحداثة والطائفية والقبلية وهذا الصراع بين الأفراد باسم الفكر وتبني مسميات جديدة زادت من الفجوة وفتحت الأبواب للمزيد من الكلام وأثارت رغبة الجميع بالكلام إلا ظواهر وشواهد لشهوة الكلام» . ويصف الصقاعي (قبيلة المثقفين) بأنها «قبيلة صنعت أعرافها وتقاليدها من موروث يسكنها ويسيطر على وعيها، فأصبحت هناك أساليب تدار بها الثقافة لا تختلف عن إدارة القبيلة الجاهلية، وتكريس الحس القبلي في الذهنية المجتمعية التي لم تخرج بعد من قرويتها المؤمنة بالسلطة التراثية، والمعتقدة أصلا بالرموز وفكر الوصاية والقائم تعايشها على المصالح وحماية ممتلكات القبيلة ومكاسبها، وليس للبناء لمشاريع تنويرية وإصلاحية تساعد في بناء الإنسان من خلال إشراكه كفاعل اجتماعي، وإنما بقصد الاستحواذ عليه؛ ليكون مصدر قوة فقط بعيدا عن الاشتغال على القيم والمثل التي يمكن أن تكون قادرة على حفظ كرامة الإنسان، وليس استغلال قدراته أو ضعفه، كما يحصل في بعض الخطابات الحديثة التي تستغل الظروف الاجتماعية لتثبيت سلطة القبيلة الجديدة ونشر أفكارها محاربة للقبيلة الأخرى، وليس لنصرة الإنسان والحق والدفاع عن القيم الإنسانية العظمى». ويؤكد أن «قبيلة المثقفين اشتهرت في العصر الحاضر بشدة عدائها لكل القبائل الأخرى التي تسكن قريبة منها، أو تلك التي تتقاسم معها رغيف الحياة في صباحات الفعل الثقافي القائم على الكلام والخطب الرنانة ومحاولة السيطرة على منابر التعبير؛ لذلك نجد لقبيلة المثقفين شعراء وكتابا يمثلونها ويتحدثون باسم القبيلة، وليس باسم الفكرة التي تحملها القبيلة، فغلب التصنيف على العطاء وغلب الاستقواء على الفكر والعمل»، ويستحضر ما ظهر من الممارسات التي توطد الفعل القبلي من خلال النصرة لأبناء القبيلة وإن كانوا على خطأ وجهل، كون خطاباتهم تقدس أعمال المنتمين إليها مهما بلغت في تجاوزها، وتجعل من أحكامها على الخطأ والصواب قانونا يحتكم إليه؛ لتبرير كل ما يقوم به أعضاء القبيلة، تحضر قبيلة المثقفين يتساوى في ذلك من كانت ثقافته سلفية أو أولئك الذين ينتمون لأسماء حديثة لقبائلهم في البحث عن الأماكن الصالحة لبث طموحات وجهالات قبائلهم ليس لهم من وسائل إلا الكلام والخطابة والمنابر الكتابية واللفظية، مبديا تحفظه على أقوالهم وكتاباتهم المخالفة سلوكهم ما يبرز التباين الكبير بين ما يقولون وما يفعلون، ويربط بين الملتقيات التي تعدها المؤسسات الثقافية وبين برامج المخيمات كونهما وجهين لعملة واحدة خدمة القبيلة فقط، وليس لمشروع إنساني يهتم ببناء الإنسان، واصفا «هذه التجاذبات بين القبيلتين الكبيرتين في الملتقيات والمخيمات بالاستهلاكية في مقدماتها ونتائجها ووسائل دعمها وأهدافها، إلا أنها غطاء شرعي أو قانوني للإعلان والدعاية للقبائل ورموزها والتعريف بها وبمن يمثلها». وأضاف «إنها قبيلة قولية، لا يختلف من تسنموا منابر المساجد فيها عمن احتلوا أعمدة الصحف ومنابر المؤسسات الثقافية في الاهتمام بالكلام، تقودهم شهوة الكلام، ويغيب عنهم جميعا العمل أو السلوك الفعلي الذي هو أكثر أثرا في الناس وفي تسيير دفة المجتمع». ورأى الصقاعي أن «الخطابين الثقافي والديني تتجلى فيهما العواطف لتغييب العقل، وبالتالي كان الاشتغال وجدانيا وليس معرفيا أو إنسانيا هو اشتغال على كسب المؤيدين، وليس لأمر آخر يحقق للجميع السلام والاستقرار».

مشاركة :