مع دخول أول أيام الشبط، يتداول الكثير من كبار السن وهم متحلقون حول النار ومواقد التدفئة، جملة من القصص والأساطير التاريخية، التي يخاطبون بها أبناءهم وأحفادهم وكأنهم قد اقتبسوا لحكاياتهم تراكيب "كليلة ودمنة" الشهير في توظيف لغة التخاطب ما بين الجمادات والمخلوقات غير البشرية، وفق أسلوب إسقاط بلاغي يجتذب الصغير قبل الكبير. ولعل من أبرز تلك الحكايات قصة "المربعانية" وبرودتها، حينما انقضت فترتها الموسمية وهمت بالأفول مخاطبة ابنها الشقي "شباط" الذي سيستمر لمدة 26 يوما، بأن قالت له: "يا وليدي تراي مريت ولا ضريت، عليك باللي أكله دويف ووقوده ليف، ولا تقرب اللي أكله تمر ووقوده سمر. وتقول أيضا : يا شباط يا ولدي: تراي مرّيت ولا ضرّيت، ما قويت إلاّ اللي شبوبه ليف، وأكله دويف، عليك باللي شبوبه سمر وأكله هبر". كذلك موقف "شباط" مع أبواب المنازل والبيوت عند الحاضرة، حيث يصف كبار السن شدة رياحه وبرودتها بأنه كشخص يمسك بالأبواب ويبدأ بهزها وتحريكها، فيصفونه بأنه "مقرقع البيبان" أي محرك الأبواب. وما يزال الحديث عن شباط وقصصه مع كل عناصر البيئة المحلية، فتجد كبار السن يتحدثون عن برودته وما يسببه من تغيرات مناخية وحياتية عند البادية، بوصفهم إياه بـ"مبكي الحصني" أي يرغم ثعالب الصحراء على البكاء من قسوة ظروفه المناخية وبرودتها. الباحث الفلكي عضو الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك مدير مرصد الزعاق للدراسات الفلكية والجيوفيزيائية الدكتور خالد بن صالح الزعاق، تناول مع "الوطن" تلك القصص والأساطير وما شابهها، حيث ذكر أن تلك القصص كانت تروى للأنس وشغل الوقت وتبسيط بعض المفاهيم والسلوكيات الحياتية للأبناء والأحفاد ليتعايشوا مع الظروف ويعاملوها وفق ما تستحق من احتراز واستعداد. وحول الحساب الفلكي والقراءة المناخية لدخول وخروج أيام الشبط ذكر الزعاق لـ"الوطن" أن أول أيام الشبط بدأت يوم أمس، مشيرا إلى أن عدد أيام شباط 26 يوما مقسومة على نجمين كل نجم 13 يوما وهي شباط أول وشباط ثاني وبردها أشد من برد المربعانية، لأنه يتسم بالجفاف، إلا أن بردها يكون خارج البيوت، أما الأمكنة المغلقة فغالبا لا يدخلها البرد، ومن شدة برودته الخارجية تتيبس عسبان النخل وتموت الأشجار، وكان أجدادنا يتوقون برد الشبط ويحتاطون له لأنه إذا دخل في الجسم لا يخرج إلا بالكي.