بالتأكيد ليس هناك أبشع من احتفالية ولاية أروزجان في أفغانستان بـ"أبطال مذبحة شارلي ايبدو" سوى مانشيت صحيفة "لوتليغرام" الفرنسية التي نادت وتنادت بـ"الحرب العالمية الثالثة! والعكس صحيح أيضاً! لقد خرج سكان الولاية الأفغانية محملين بدوافع سلبية أو قل "شريرة" واصفين من نفذوا الجريمة الإرهابية النكراء بأبطال عاقبوا المسؤولين عن نشر الرسوم المسيئة للإسلام ولنبي الإسلام، بل إنهم صبوا غضبهم على الرئيس الأفغاني أشرف غي الذي سارع بالتنديد بالهجوم على الصحيفة الفرنسية! وفي المقابل أو في الجهة الأخرى تجردت صحيفة "لوتليغرام" من العقل والحكمة وخرجت بمانشيت محرض على الحرب والدخول فيما أسمته بالحرب العالمية الثالثة!! بمناسبة العقل والحكمة لا تنسَ أن المحتفلين في جنوب أفغانستان التي عانت وتعاني الظلام والجهل والإرهاب والقتل.. والمحرضين على الحرب هناك في غرب فرنسا "الحرية والنور والعدل والتسامح"!! في ساحة الحكمة الحقيقية يتجلى المشهد الألماني الذي لم يخدشه ذلك الحريق الذي تعرض له أرشيف صحيفة "هامبورجر مور جنبوست"، فقد أعلنت المستشارة ميركل وأعضاء الحكومة عن إعجابهم بل تقديرهم لمسلمي بلادهم الذين عبروا عن إدانتهم البالغة ومن القلب للجريمة النكراء.. بل إن ميركل زادت في تقديرها فتعهدت بمشاركة حزبها المسيحي الديموقراطي في مسيرة المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا للتنديد بالعنف. دعك مؤقتاً من جماعات وشعارات "انا شارلي" و"أنا أحمد" و"أنا لست شارلي" فكلها نوبات أو هبات انفعال عبرت بشكل أو بآخر عما جاش ويجيش في صدور الشبان في فرنسا وفي العالم كله.. ثم لا تنسَ أن سياسة "شارلي" نفسها تبدلت وتغيرت وتحولت من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين متفرغة لتحقير المهاجرين.. وبالمجمل فإنه ليس كل من هو شارلي يؤيد الاعتداء أو المساس بعقائد الآخرين، وليس كل من هو ليس شارلي يؤيد الاعتداء على المدنيين! أما جماعة "أنا أحمد" فقد حاولوا قدر المستطاع أن يثبتوا للعالم أن ضحية المجزرة من رجال الشرطة الفرنسية كان "شهيداً مسلماً" ومن ثم فلا داعي للخلط بين الإرهابيين والمسلمين.. وهو نفس الحديث الذي ورد على لسان طالب مالك شقيق أحمد مناشداً أو موجهاً كلامه إلى "العنصريين ومن لديهم خوف من الإسلام أو المناهضين للسامية "ألا تخلطوا بين الإسلام وبين الإرهاب. على أن "أحمد" لم يكن وحده رمزاً مسلماً في مذبحة "شارلي ابدو" فقد قدم "الحسن" يائيلي وهو عامل مسلم من أصول مالية نموذجاً آخر أكثر إضاءة وهو ينقذ عدداً من زبائن المتجر اليهودي الذي شهد احتجاز رهائن شرقي باريس مخبئاً إياهم في غرفة التبريد! صحيح أن الأخوين الإرهابيين "كواشي" مسلمان، لكن الصحيح والمضيء أيضاً أن "أحمد" و"الحسن" مسلمان أيضاً! أخيراً وفي مشهد المسيرة أو الجنازة الفرنسية العالمية التي احتشد فيها مئات الألوف يتقدمهم أكثر من 50 زعيماً لم يخلُ الأمر من مواقف وطرائف أكثر إثارة للتأمل والدهشة.. ففي المسيرة هناك من ذهب للتضامن بحق وهناك من ذهب للغنائم.. بحق أيضاً! هناك من ذهب ليعزي نفسه ويعزي العالم معه، وهناك من ذهب للمعايرة والترويج لرؤيته! وما أكثر الرؤى التي يعتريها الغبش! خذ على سبيل المثال لا الحصر بنيامين نتنياهو الذي قال قبل مغادرته القدس "المحتلة": أنا ذاهب لمشاركة زعماء العالم في "النضال المتجدد" ضد الإرهاب "الإسلامي" . أما عن الإرهاب الصهيوني المتواصل، فلا أحد يسأل! أما عن دماء بل أرواح المدنيين من أطفال ونساء فلا أحد يسأل.. أو قل لا وقت للسؤال أو الاستفسار حيث المعركة الكبرى التي يريدها العالم ضد الإرهاب الحقيقي، ويريدها آخرون ضد الإرهاب الإسلامي ويريدها فريق نتنياهو ضد "المسلمين الإرهابيين" كلهم بالتأكيد!! أريد أن أقول إنه ليس كل من شارك في المسيرة الفرنسية ضد الإرهاب خالياً من الإرهاب وإذا كان من شأن المنظمين للمسيرة وضع أصابع المشاركين في جهاز للتعريف بالبصمة لوجدوا فظائع وفضائح، كان من شأنها أن تقلص أعداد المشاركين من الزعماء والوزراء والساسة والإعلاميين والمفكرين ورجال المال والأعمال.. لأسباب أمنية بل قل "انتربولية"! sherif.kandil@al-madina.com
مشاركة :