خطأ فادح لا يغتفر

  • 1/13/2015
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

لا أحد من نقادنا العرب في عصرنا الحاضر أو ما سبقه من عصور بامكانه الادعاء بعدم تأثر آدابنا العربية بالأساطير اليونانية، ذلك أن الحركة النقدية العربية الحديثة تعكس ضمن ما تعكس من معطياتها تلك النتائج التي أفرزتها الاتجاهات النقدية الغربية، وهو افراز يسترفد كما نعلم، أو يعلم بعضنا، ذلك الاتجاه الأسطوري الذي اقتبسته تلك الاتجاهات من الأساطير اليونانية القديمة. ولاشك أن اهتمامات النقاد والأدباء العرب في عصرنا الحديث وما قبله من عصور كانت تنصب في رافد تلك الاتجاهات، غير أن من الضرورة بمكان أن أبين هنا أن من أهم الأسباب التي دفعت الشعراء العرب المحدثين بالذات الى توظيف اساطير في أشعارهم سبب يدور حول رغبة هؤلاء الشعراء في تقليد الشعر الغربي واتجاهاته، وليس عيبا أن يحدث ذلك على اطلاقه، فالتقليد وارد على أي حال بين آداب الشعوب، ولكن اهتمام الشعراء العرب بالأسطورة من خلال توظيفها كطريقة لمحاكاة شعر الغرب يعد في حد ذاته طريقة خاطئة من أساسها. بمعنى آخر فان الرؤى المتمثلة في الأساطير يمكن الاستفادة من عناصرها الفنية التي تتواكب مع عناصر القصيدة العربية وتنسجم معها، وهذا ما فعله بعض الشعراء المحدثين في عالمنا العربي حينما رأوا في الأسطورة وسيلة جديدة من وسائل التعبير الجميلة التي أسهمت بجزء كبير في التعبير عن الأزمات الحياتية التي يعيش في أتونها الانسان المعاصر. انها ظاهرة أدبية حديثة، ولكنها أدخلتنا في دوامة كنا في غنى عنها، فقد تخيل بعض الشعراء العرب في خضم الكم الهائل من الرموز التي تشبعت بها الأساطير اليونانية أن بامكانهم استخدام تراثنا العربي القديم ليحقق لهم تواجدا أسطوريا كما هو الحال عند بعض الأمم، فقاموا بتضخيم الحكايات وحملوها فوق ما تحتمله، فأدى ذلك الى توجه الرموز والأحداث العربية الى غير وجهتها الصحيحة، بل ان بعض الصور حملت طابعا سلبيا ألحق الضرر بتراثنا العربي الجميل، بصوره ورموزه واتجاهاته. ولا شك أن التقليد وحده كان وراء هذه المعضلة الأدبية ان صح تسميتها بالمعضلة في محاولة لاسدال خطوطها على حكاياتنا العربية التراثية زج بنا في أتون تقليد أعمى لا ينسجم اطلاقا مع معاييرنا الأدبية والفنية، ولا مع اهتماماتنا الاجتماعية. ولعل من الخطأ الفادح أن نقوم بتحقيق أو ابراز هويتنا الأدبية التي يفترض فيها أن تكون متميزة وهي كذلك، بمحاولتنا التشبث بتبعيتنا لغيرنا ومحاولة محاكاة أساطيرهم بطريقة خاطئة، اننا حينما نفعل ذلك فانما نحاول أن نذوب في آداب الأمم الأخرى، فتلك الأساطير ان قمنا بتمثلها بطريقة غير صائبة فلابد أن نعلم علم اليقين قبل هذه المحاولة أنها لا تنسجم في كثير من أغراضها مع فكرنا العربي. أي أن التكوين الذهني للأمة العربية يختلف تماما عن التكوينات الذهنية لكثير من الشعوب والأمم، وبالتالي فلا بد أن نأخذ من تكوينات الغير ما يتلاءم وينسجم مع طبيعتنا وفطرتنا الخاصة، ومن بدهيات الوعي واليقظة أن نأخذ من ثقافات الأمم والشعوب ما نستطيع به أن نوسع من مداركنا الثقافية والأدبية، أما أن نقوم بالتقليد دون وعي أو بصيرة، ودون قدرة على هضم ما نأخذ واستيعابه فهذا هو الخطأ بعينه. كاتب وإعلامي سعودي

مشاركة :