السينما الفرنسية عثرت في ليا على شقرائها الجديدة

  • 9/25/2013
  • 00:00
  • 25
  • 0
  • 0
news-picture

باريس: «الشرق الأوسط» منذ القديم، كانت النجومية النسائية في السينما الفرنسية مرتبطة بالشعر الأشقر والعينين الملونتين. كان ذلك زمن ميشيل مورغان وجان مورو وبريجيت باردو ورومي شنايدر وإيزابيل هوبير وغيرهن. وحتى كاترين دينوف، أشهر شقراء في تاريخ الفيلم الفرنسي، بدأت مسيرتها بشعر أسود قبل أن تترك للصبغة الذهبية أن تقودها إلى الصفوف الأولى. كانت ذوات الشعر الأسود عنوانا للموهبة، لا للفتنة، مثيلات آنوك إيميه وجولييت بينوش وناتالي بأي وأودري تاتو. لكن الجمهور، في السنوات الأخيرة، ظل يفتقد شمسا تشرق في عتمة الصالة وتعوض النجمات الآفلات أو اللواتي تخطين مرحلة الشباب. إن الشقراوات كثيرات، سواء كن حقيقيات أو مزيفات، لكن أغلبهن يتمتعن بملامح جمالية أقرب إلى الملائكية، بينما يبحث المخرجون عن وجه ملتبس قادر على التنقل من لحظة براءة طفولية إلى أقصى درجات الغواية. هل بين الوجوه الجديدة من تصلح لأن تكون مارلين مونرو الفرنسية؟ ثم ظهرت ليا سيدو، شابة لها من التفرد والعفوية والحضور الطاغي ما يلبي المطلوب، هذا فضلا عن مواصفاتها الشكلية ونضارة صباها. ويضاف إلى كل ذلك أنها تنتمي إلى أسرة بالغة الثراء، من جهة أمها وأبيها، وجدها هو جيروم سيدو، رئيس شركة «باتيه» للإنتاج والتوزيع السينمائي، التي تمتلك صالات للعرض في عموم فرنسا. هل كان للممثلة أن تشق طريقها من دون هذه الخلفية العائلية؟ مثل كثير من الأوساط المهنية، تسير السينما الفرنسية على مبدأ «الأقربون أولى بالمعروف». وقد بات معروفا أن التمثيل مهنة يورثها الآباء للأبناء، مهما كانوا من أصحاب المواهب المتواضعة. وهكذا ظهر على الشاشة ممثلون وممثلات بالعشرات، لا فضل لهم سوى أنهم أبناء ألان ديلون أو كاترين دينوف أو رومي شنايدر أو ناتالي باي وغيرهم. لكن ليا، التي دخلت الميدان قبل خمس سنوات تقريبا، مسلحة باسم عائلتها، تحاول اليوم أن تثبت أنها تستحق الأدوار التي تُمنح لها، وتبذل كل ما تملك من أسلحة جانبية لكي تتقدم إلى صدارة الصف الأول من ممثلات الجيل الجديد، ومن ذلك التخفف من الثياب على الشاشة وصبغ شعرها باللون الأزرق، والقبول بأدوار المثلية الجنسية التي باتت قضية الزمن الحالي في فرنسا. مع هذا، لا بد من الإقرار بأن هذه الصبية الشقراء التي تحافظ على إهاب المراهقة، على الرغم من اقترابها من الـ30، تملك بضاعة مختلفة تغري بالالتفات. إنها تجمع تلك الخلطة الغامضة التي تجعلها صالحة لأدوار الشابة البريئة التي يمكن أن تنقلب، في غمضة عين، إلى امرأة مسكونة بالشرور. وليا سيدو مقنعة في الحالتين. بذكائها الفطري، أدركت أنها لا يمكن أن تكون ممثلة نمطية تكتفي بالاستماع إلى إرشادات المخرج وتنفذها حرفيا. كانت تبحث عن الأدوار التي تستهلك الطاقة وتدفع بصاحبها إلى أقصى درجات العطاء، إلى الرمق الأخير، قبل أن يعلن المخرج وقف دوران الكاميرا وانتهاء اللقطة. وبفضل هذا البحث عن الصعب نجحت في دورها المميز في فيلم «حياة آديل» مع المخرج التونسي الأصل عبد اللطيف كشيش. إنه مثلها، يمضي في تصوير اللقطات حتى يستنفد قدرة ممثليه، ويتركهم مثل قشر الليمون المعصور. وقد نال الفيلم جائزة مهرجان «كان» الأخير، الأمر الذي دفع بصور ليل سيدو إلى أغلفة كل المجلات الأسبوعية في فرنسا، خصوصا أنها أدت دورا في فيلم ثانٍ كان ضمن المسابقة الرسمية. كانت ربيكا زلوتوفسكي هي مخرجتها المفضلة التي آمنت بقدراتها، وعملت معها في عدة أفلام. وهناك من يرى أن ربيكا وجدت شيئا من نفسها في ليا، مثلما كان المخرج الفرنسي المعروف فرنسوا تروفو قد وجد نفسه في الممثل أنطوان دوانيل، ومنحه بطولة كثير من أفلامه. وتقول المخرجة: «من خلال الأفلام التي صورتها لها، رأيتها تكبر على الشاشة، سواء في السن أو في اللعبة الفنية. فهي قد كانت مثل العجينة الخام في أول فيلم لها معي، قبل ثلاث سنوات، أما في فيلمنا الأخير، فقد رأيت ممثلة بالغة وأكثر صلابة، تقوم بالتحضير للدور بشكل هائل. إنها تكتشف نفسها وقدراتها أكثر من السابق». رغم أنها تكاد تكون التجسيد الواقعي للفتاة الفرنسية العصرية، فإن ليا سيدو نجحت في أن تتقمص شخصية تاريخية وتندس داخل ثياب ملكة فرنسا ماري أنطوانيت في فيلم «وداعا للملكة»، للمخرج بنوا جاكو. أما فيلمها الأخير مع ربيكا، الذي يحمل عنوان «المفاعل الكبير»، فإنه يروي قصة حب معقدة تجري بين ليا والممثل طاهر رحيم داخل مفاعل نووي. وهي تقول إنها نسخة عصرية من فيلم «هيروشيما حبيبتي»، الذي قدم حكاية حب رومانية بين فرنسية وياباني على خلفية بالغة العنف عقب القنبلة النووية على المدينة. إن دورها لا يشبه فيلمها الحقيقي الأول «الشخص الجميل»، الذي أدته تحت إدارة المخرج كريستوف هونوريه. لقد رأى هونوريه في وجهها ملامح شاعرية، وأراد أن يستخرج من وجهها تعابير أدبية. لقد مضى ذلك الزمن وصارت الممثلة تفضل أدوار المرأة الصاعقة على أدوار طالبات المدارس. لهذا نراها في «المفاعل الكبير»؛ فيلمها الذي بدأ عرضه مؤخرا، تقوم بدور عاملة من منطقة شعبية، تسكن في بيت متنقل على أطراف المفاعل الذي تشتغل فيه. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن طاهر رحيم، الممثل الجزائري الأصل، هو اليوم النجم الصاعد في السينما الفرنسية، بموازاة ليا سيدو، على الرغم من أنه آت من وسط متواضع لا يشبع الأسرة الفنية التي تنتمي لها. ليس غريبا أن ترتاح ليا للعمل مع فنانين من أصول مغاربية مهاجرة. لقد جاءت أسرتها من هناك، بل إن والدتها هجرت باريس لكي تقيم في أفريقيا. وهي تحب أن تذهب مع شقيقتها للبقاء مع الأم في الإجازات، حيث تجدان راحتيهما النفسية الخاصة. ولعل ربيكا زلوتوفسكي كانت محقة حين نقلت عن أحد الممثلين معها، من زملاء ليا، أنه وجد لديها مزاجا يميل إلى التوحش. هذا التوحش هو ما يسعى وراءه المخرجون، ومنهم الأميركي وودي ألن الذي منحها دورا جانبيا في «منتصف الليل في باريس». وهي اليوم تتنقل بين أماكن تصوير أكثر من فيلم، ومواعيدها محجوزة لثلاث سنوات مقبلة، كما صارت الممثلة الفرنسية الأكثر طلبا من المخرجين في العالم، مع زميلتها ماريون كوتيار. ومن أفلامها المبرمجة للعرض في العام المقبل «فندق بودابست الكبير» مع المخرج فيس أندرسون، و«سان لوران» لبرتران بونيلو، و«ثلاث شقيقات» لبنوا جاكو، بالإضافة إلى فيلم للرسوم المتحركة تعير فيه صوتها لإحدى الشخصيات.

مشاركة :