لماذا تغيب ثقافة العمل التطوعي في بلادنا؟

  • 1/14/2015
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

ليس هناك دين من الأديان ولا أمة من الأمم ولا مجتمع من المجتمعات يكرس ثقافة العمل التطوعي مثلما كرسه وحض عليه وحرص على القيام به الدين الإسلامي. وهناك أمثلة ناصعة في تاريخنا الإسلامي بدأها أول الخلفاء الراشدين، أبوبكر الصديق، الذي تصدق بكل ماله في سبيل الله والأمثلة في تاريخنا الإسلامي كثيرة ومشرقة ومشرفة، إلا أنه لوضع الأمة الإسلامية اليوم وما تعانيه من انحطاط وتشرذم؛ دور كبير في التأثير على العمل التطوعي في مجتمعاتنا الإسلامية إلى الحد الذي جعل العمل التطوعي اليوم أنموذجا غربيا حديثا، يمثل ظاهرة حضارية للمجتمعات الغربية المعاصرة. حيث يعد العمل التطوعي في الغرب من الدعائم القوية للأنظمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي سنت من أجل تسهيله وممارسته الأنظمة والقوانين. ويتربع على عرشه "بل جيتس" وزوجته "مليندا" اللذان أسسا مؤسسة خيرية تطوعيه ميزانيتها 28 مليار دولار، وتبرعه بتطعيم أطفال جنوب شرق آسيا لمدة خمس سنوات، وتبنيه للعديد من الأعمال التطوعية في مختلف المجالات. تنبهت مجتمعات الغرب المتحضر إلى أهمية ثقافة العمل الخيري فضمتها مناهجها وأنشطتها، حتى نرى أن طالب المرحلة الابتدائية هناك يهب إلى إحضار (علبة خضار) يتم إرسالها إلى أحد المجتمعات التي تعاني من المجاعة، كما أن الإحصاءات توضح أن 22 مليون شخص يشاركون بالعمل التطوعي بشكل رسمي كل عام في المملكة المتحدة، وتبلغ عدد ساعات العمل التطوعي الرسمي 90 ساعة عمل في الأسبوع وتقدر القيمة الاقتصادية للتطوع الرسمي بـ40 مليار جنيه إسترليني سنويا، وتختلف دوافع العمل التطوعي بين المشاركين حيث أبدى 6 من 10 متطوعين أسباب تطوعهم للحصول على مهارات جديدة ونصف المتطوعين استجابوا لنداء العمل والمساعدة، وأبدى 90% من المجتمع الذي تنتشر فيه ثقافة التطوع اتفاقهم على حرص أفراد المجتمع على بعضهم البعض ورفض 80% فكرة أن المتطوع أقل مهارة من الذي يعمل بالأجر. وقد بلغت قيمة المنح والبرامج التطوعية في بريطانيا 50 مليار جنيه. أما في أميركا فقد بلغ عدد المنظمات غير الربحية 1,5 منظمة، ثلثاها خيرية، و48% منها قائم على أساس ديني، وقد بلغت قيمة المبالغ المعطاة للمنظمات غير الربحية 174 مليار دولار، منها 77,3 مليار تأتي عن طريق أفراد. وبلغ حجم التبرعات 212 مليار دولار عام 2002، 38% منها لأغراض دينية وبلغ عدد المتطوعين 90 مليون في جميع الأعمال الإغاثية والدينية بواقع 5 ساعات أسبوعيا وفي كل التخصصات، وتضم رابطة الجامعات غير الربحية حوالى 100 جامعة أميركية منها تخصصات للعمل غير الربحي وتخصصات في العمل الخيري. ويعد العمل التطوعي في الغرب وفي أميركا وبعض الدول الآسيوية شريكا فاعلا للقطاع العام والتجاري في برامج التنمية بشكل عام، ويلعب دورا أساسيا في سد ثغرات القطاع العام وفي الحد من تجاوزات القطاع الخاص وجشعه. وفي بريطانيا وحدها 350 ألف جمعية تطوعية وفي فرنسا 600.000 جمعية تطوعية، وإذا قارنا العمل التطوعي في الغرب بالعمل التطوعي في البلاد العربية نجد أن أعداد الجمعيات التطوعية فيه لا تتعدى عدد الجمعيات التطوعية في ولايتين فقط من الولايات المتحدة، والعمل التطوعي التعليمي يأخذ أشكالاً عديدة منها: بناء المدارس. بناء الكليات. بناء الجامعات. إرسال البعثات الدراسية. إنشاء مراكز البحث.. لكن السؤال الذي يفرض نفسه هو: لماذا لم تنتشر ثقافة التطوع في مجتمعاتنا وما سبب تفوق العمل التطوعي في الغرب عنه في البلاد العربية والإسلامية؟ أو بعبارة أخرى وحتى نستطيع تقديم إجابة مباشرة للسؤال: ما معوقات انتشار ثقافة التطوع في مجتمعاتنا؟ وللإجابة على هذا السؤال نقول إن ذلك قد يعود لأسباب منها: أولا: التعليم يتحمل جزءا من غياب ثقافة التطوع في مجتمعنا وعدم إدراك أبعاده النبيلة. حيث نظن أن مؤسسات التعليم في المجتمعات العربية والإسلامية بجميع مراحلها وصولا إلى التعليم الجامعي يفترض أن تقوم بتأصيل مفهوم العمل التطوعي وذلك بإدراجه في المناهج وإعداد الأنشطة التي تبين أهميته ودوره وإفساح المجال للطلاب منذ السنة الأولى الابتدائي حتى المرحلة الجامعية بممارسته. إكساب الأفراد مهارات التطوع أمر ضروري، فمهارة الاتصال وإدارة الوقت والعمل الجماعي والقيادة والتعبير ضرورية جدا لنجاح العمل التطوعي. ثانياً: أنانية بعض أفراد المجتمع باهتمامهم بقضاياهم الخاصة والعزوف عن قضايا المجتمع والأمة. ولمعالجة هذه القضية لا بد من عقد ندوات ومؤتمرات مشتركة بين القطاعين الخاص والعام لبيان هذه القضية. ثالثا: التنافس السلبي بين بعض المؤسسات العمل التطوعي. رابعا: عدم وجود أنظمة واضحة ومحددة للعمل التطوعي أدى إلى نشوء المعوقات والمشاكل التي ترتبط بالعمل التطوعي مما حدا بالكثير بالابتعاد عنه. ولمعالجة هذه المشكلة نظن أنه لا بد من أن تكون هناك تشريعات واضحة وأنظمة فاعلة تنظم العمل التطوعي وتشجعه وتبرز بشكل واضح وبالكثير من التقدير والإجلال العاملين فيه. كل ذلك نتج عنه نظام تقليدي متواضع الأهداف ومتدني الإنجازات وقليل المشاركة. العمل التطوعي في مجتمعاتنا العربية والإسلامية يحتاج إلى إعادة صياغة خطاب ثقافة التطوع بطريقة تكفل التأثير على أفراد المجتمع وتدفعهم جميعا، كل حسب إمكانياته بالانخراط فيه، ويبرز هذا الخطاب فوائد ومكتسبات العمل التطوعي على مستوى الأفراد والمجتمعات، كما نظن أن هذا الخطاب الجديد يجب أن يضع أولويات العمل التطوعي وفق مستوى الأفراد والمجتمعات الذي يوجه العمل التطوعي لها، واستقطاب كوادر قادرة على عمل كل ذلك وإعطاؤهم الآلية التي يحققون بها الأهداف التي وضعها ذلك الخطاب. هنا يمكن لمجتمعنا وأمتنا أن تنافس الآخرين في مجال العمل التطوعي وفي كل المجالات. نحن بحاجة إلى نشر ثقافة التطوع، وإعادة صياغة خطاب التطوع لتوسيع دائرته، كما أننا بأمس الحاجة إلى مساهمة أفراد المجتمع فيه، ليس فقط أصحاب الأموال، لكن كل شرائح المجتمع بأموالهم ووقتهم وجهدهم. إنها ثقافة ينبغي بثها في المجتمع ليتبناها، وستنعكس عليه وحدة وتلاحما ومحبة لينهض بنفسه ويكون في عداد المجتمعات المتقدمة.

مشاركة :