أطلعتنا وسائل الإعلام المحلية قبل فترة (عن اكتشاف جثة مراهق في دار الأيتام لم يعرف عن موته أحد رغم أنه مصاب بمرض السكر، إلا بعد أن اشتكي النزلاء من رائحة كريهة أزعجتهم ليكتشفوا بعد ذلك أن جارهم والذي يسكن بجوارهم فارق الحياة وحيدا)، شدني خبر هذا الطفل المقيم في جزيرة النسيان.. قصة مؤلمة حزينة لدرجة البكاء، لكنها لم تكن غامضة، بل واضحة صارخة تلامس حدود الفضيحة القبيحة التي لا تحاور ولا تراوغ.. طفل حل الدمار في حياته منذ أن فتح عينيه على شمس هذا العالم الآفل.. عاش زمنا لم يرض به بل كان عدوا له.. عاش في مكان يسبح الإهمال فيه.. لم يستطع أن يفرق بين وجه من يرعاه ووجه جدران حجرته.. جو قاتم ومناخ أسود.. جو فيه الكثير من الفجاجة والقسوة في تلك الدار المكتظة بالباحثين عن المأكل والمشرب والمأوى والطمأنينة والرعاية.. نعم طفل ليس له من الدنيا سوى اسمه عن ماذا يبحث في دار هو فيها لا يساوي أكثر من قشه تبن في اعتبار العاملين لا أكثر!! عن إنترنت..عن بلاي ستيشن.. عن قناتي ديزني وسبيس توون عن قميص بولو!! نعم هذا ما يبحث عنه اليتيم ويتأمله من هذه الدار عوضا عن العائلة، فالإنسان الطبيعي العائلة له كل شيء يمنحه الحنان والعطف والطعام والملبس والمسكن والإحساس بالأمان.. لا يمكن الاستدلال عليك في أحراش هذا العالم دون لقب عائلي.. اليتيم لا يعرف هذا المسمى.. يحس به كجرح مرشوش بالملح يأبى الاندمال، إلا أنه تنازل عن الإجابة على السؤال الصعب كيف تبخرت العائلة من حياته!! فقبل بهذا المكان البائس الذي يطلق عليه تجاوزا دار الرعاية كمدفن له وهو في زهرة العمر كبديل لعائلته، وهو لم يتخيل أبدا أن يعامله هذا الكيان ككائن زايد عن اللزوم.. لم يتوقع أن لعنة اليتم ستسكنه إلى ما لا نهاية وستتابعه شراسة الزمن ووحشته الضارية لم تثر أعراض مرضه أي شعور لدى العاملين للاهتمام به في أي يوم من الأيام.. لم تحرك فيهم الرغبة في مساعدته..كانوا يرونه يوميا تقريبا غير أنه لم يكن يعني لهم شيئا يذكر.. كانت أمنيته أن يقول له أحد نصف كلمة عن مرضه أو يبدي اهتماما به حتى لو كان بضآلة حبه رمل.. غير أن أحدا لم يفعل ذلك وشيئا فشيئا لم يعد قادرا على التركيز.. مبعثر الفكر.. يقفل الباب على نفسه وينخرط في البكاء حتى يغلبه النوم، صار يستعذب النوم خوفا من فراغ الصحوة الموحش.. لم يهتم أحد بالرجفات الحادة والعنيفة التي تهز جسده من الساق حتى الرأس، لم يهتم أحد بذلك الطفل القابع في غرفته والذي كانت تبلل ملابسه كل ليلة بالعرق، كما أنه كان واقفا تحت وابل من المطر حتى كانت تلك الليلة حيث تأهب الجميع للنوم عداه، حيث مكث في فراشه وأغمض عينيه للأبد.. غاب عن الوجود بعد أن تعذب كثيرا.. لم يكن السكر وحده الذي وضع الغشاوة على عينيه.. التعب وظلم الحياه وإهمال العاملين في الدار هم من حجب عنه كل شيء.. مات بتعب من يريد أن يغمض عينيه للأبد.. فضل الغياب لأن الوجود لم يكن خلابا كما يشتهي.. يقولون إن أصعب ما في الدنيا ألا يحبك أحد.. لا يا ساده هناك شيء أصعب.. أسوأ من أن لا يحبك أحد أن لا تجد من يرعاك وأنت في أشد الحاجة إلى ذلك في مكان أنشئ لرعايتك وحمايتك من ظلم الأيام وقسوة الزمان ويتقاضى العاملون به مخصصات وميزانيات ضخمه لتحقيق ذلك.. الظلم الحقيقي أن تقول وداعا للحياة لأنه ليس لديك ما تفعله لنفسك لأن من اعتقدت أنهم حريصون عليك لا يفعلون شيئا من أجلك..لقد استجاب البارئ لدعوة ذلك المسكين في تلك الليلة أن يخلصه مما هو فيه.. يا تري من سيجعل دار الأيتام أكثر أمانا، فاليتم الحقيقي ليس أن تكون مختلفا عن الآخرين، بل أن يساهم الآخرون في ظلمك مع الزمان.. وفعلا عندما تشعر تحيا ويا له من شعور عندما لا تشعر بشيء!!.
مشاركة :