ندد وزراء الثقافة العرب خلال مؤتمرهم الـ19 الذي اختتم أمس في الرياض، بكل مظاهر العنف والتطرف والغلو والإرهاب التي تشوه الرسائل النبيلة للثقافات الإنسانية، ودعوا إلى جعل اللغة العربية قاطرة للمساهمة في بناء المواطنة الإنسانية، من خلال خطة عمل محكمة تتيح لثقافات العالم التعرف على القيم السامية والنبيلة للحضارة العربية والإسلامية. وأكد المؤتمر الذي عقد في فندق رافال واستمر يومين، أن بناء هذه المواطنة الإنسانية لا يمكن تحقيقه أمام استمرار الاعتداءات الإسرائيلية السافرة على التراث الثقافي العربي والمقدسات الدينية في القدس الشريف، داعياً منظمات «يونيسكو» و«إيسيسكو» و«ألكسو» إلى مواصلة ومضاعفة جهودها المعتبرة في حماية التراث والذاكرة الفلسطينية، وإذ ثمن المؤتمر ما تضطلع به المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم من جهود في سبيل النهوض باللغة العربية وتعزيز الحوار بين الثقافة العربية وثقافات العالم، فإنه يدعو المنظمة إلى تحقيق شراكة نوعية مع مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات في فيينا. وتمخضت الدورة الـ19 عن «إعلان الرياض»، الذي أكد فيه الوزراء أهمية موضوع الدورة «اللغة العربية منطلقاً للتكامل الثقافي الإنساني»، وراهنيته أمام ما تواجهه اللغة العربية حالياً من مخاطر جمة، «وفي ظل ما يشهده العالم قاطبة والعالم العربي خصوصاً، من تحولات عميقة ومتغيرات متسارعة». وأكد وزراء الثقافة العرب الذين شاركوا في المؤتمر، الذي افتتحه وزير الثقافة والإعلام السعودي الدكتور عبدالعزيز الخضيري نيابة عن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وحضره عدد كبير من المثقفين والإعلاميين، أن اللغة العربية بوصفها اللسان المعبر عن الفكر والإبداع والمعارف، «هي الركن الحصين للهوية العربية والوعاء الحامل للثقافة العربية. وبما أنها ركن للهوية العربية يجب أن تحظى باهتمام خاص في السياسات الثقافية العربية برفع خططها العملية من مستوى الخطط الوطنية إلى مستوى الاستراتيجية العربية، مع ما يستوجب ذلك من تنسيق لأحكام أهدافها ومخرجاتها العلمية. وإن اللغة العربية لتضمن دورها كمنطلق للتكامل الإنساني، يجب أن تتجاوز حدودها العربية العربية، وذلك بانفتاحها على التداول الفكري والعلمي والعالمي، من خلال تعزيز حضورها وإنتاجيتها في المحتوى الرقمي العالمي، وتشجيع حركة الترجمة من وإلى اللغة العربية، ومواكبة استخدام التقنيات الحديثة في طرق وأساليب تعليم اللغة العربية وإنتاج مضامينها، إن دعم الإبداع العربي بجميع تعابيره الراقية باللغة العربية، هو قاطرة حقيقية نحو التكامل مع الثقافات الإنسانية، إن الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية يجب أن يكون مناسبة للتعرف بالإبداع الثقافي والمعرفي العربي في الداخل والخارج، إن النهوض باللغة العربية باعتبارها منطلقاً للتكامل الثقافي الإنساني يدعونا إلى توسيع جسور التواصل والحوار مع العالم، بما يفتح آفاقاً رحبةً للتفاعل الإيجابي والبناء، وهو ما يبعث على الاعتزاز بالدور الذي تقوده المملكة العربية السعودية، بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود في نشر روح التسامح والحوار بين مختلف الثقافات». وكانت أحداث القتل اليومي التي تشهدها بلدان عربية متفرقة هيمنت على حفلة افتتاح الدورة الـ19 لمؤتمر وزراء الثقافة العرب، الذي عقد تحت عنوان «اللغة العربية منطلقاً للتكامل الثقافي الإنساني». وأكد المدير العام للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم الدكتور عبدالله حمد محارب، أن الشاغل الرئيس للدول العربية اليوم، «تلك النبتة الشاذة في مجتمعاتنا، فرقة تدعو إلى قتل كل من يخالفها الفكر، لا تؤمن بالحوار أو المجادلة، الآخر هو عدوها». ووصف محارب هؤلاء بـ«القرامطة الجدد»، مشيراً إلى أن المتطرف تبقى عنده «بقية من دين وقيم، لكن هؤلاء خلوا من ذلك كله». وتساءل المدير العام للمنظمة العربية أمام عدد كبير من وزراء الثقافة والمثقفين والإعلاميين السعوديين والعرب: «كيف نشأت هذه الفرقة؟ ولماذا قبلت أعداد كثيرة من الشباب بالانخراط في مثل تلك المنظمات؟». وقال إن بؤرة المأساة تكمن في أسلوب صياغة عقول هؤلاء الأبناء: كيف تمت تربيتهم وتعليمهم؟ وماذا كانت أدوار البيئات المساعدة في تكوين شخصية الشاب: الأسرة، الإعلام، المجتمع؟». ودعا محارب وزراء الثقافة والتربية والإعلام العرب إلى اجتماع عاجل يكون محوره الرئيس «صياغة عقول الشباب العرب كيف تكون؟». وأوضح محارب إن الفعل الإنساني إذا لم يفرق بين المتناقضات، ولم يخضع لسلطان المنطق العقلي ضاع وضل، وهذا ما تفعله هذه النبتة المشؤومة، عقولها لا تفرق بين الحق والباطل، ولا بين الحب والبغضاء، ولا بين قيم الإسلام العليا التي تشدد على حفظ الحياة والنفس البشرية، بغض النظر عن عقيدتها، وبين القتل وجز الرؤوس»، مستعرضاً جهود المنظمة، ومن ذلك سلسلة «محاضرات الألكسو الشرفية» التي تقوم فيها المنظمة بتكريم عدد من أعلام الفكر والسياسة والديبلوماسية الإقليمية والدولية في الوطن العربي وخارجه، لعرض محصلة مشاريعهم الفكرية ومسيرتهم المهنية وطرح بعض القضايا العربية والدولية، إضافة إلى إدراج المنظمة مسألة الاستشراف والدراسات المستقبلية ضمن خطة عملها للأعوام المقبلة، وتنظيم اليوم العربي للشعر الذي ستنعقد دورته الأولى في القاهرة يوم 4 شباط (فبراير) 2015، وعقد وتجديد مجموعة من الاتفاقات مع المنظمات التي تعني بالشأن الثقافي. في حين قال وزير الثقافة والإعلام السعودي الدكتور عبدالعزيز الخضيري، الذي افتتح المؤتمر نيابة عن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز: «ونحن نناقش همنا الثقافي العربي في ظل متغيرات متباينة في منطقتنا العربية، يأتي الحديث عن مستقبل لغتنا العربية منطلقاً للتكامل لنصل إلى الآخرين برسالة سامية مصدرها هذه اللغة بمفهومها ووظائفها واستخداماتها وإسهاماتها في الثقافات الإنسانية، والحوار الثقافي بين الشعوب من خلال أربعة محاور أساسية». ودعا الخضيري بدوره المؤتمر إلى تبني قرارات «تعكس تفاعلنا مع الموضوع الرئيس ووثيقته الأساسية». وقال: «كلي أمل بأن نكون عند حسن ظن وآمال أبناء وطننا العربي في أن يروا لغتهم العربية التي نزل بها القرآن في موقعها الطبيعي في طليعة لغات العالم الحية، وأن نقدم لهم كوزراء معنيين بالثقافة والأدب كل الدعم المطلوب، لتحقيق ذلك من خلال تحديث العقد العربية للتنمية الثقافية، وإحداث مجلس وزراء الثقافة العرب، ودرس الخطة الشاملة المحدثة للثقافة العربية، وهي آمال ليست بالصعبة على مجلسكم».
مشاركة :