حروب التعصب.. لا نهاية لتاريخ..!

  • 1/16/2015
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

الذي يقرأ التاريخ سوف يجده يغرق بالدماء والحروب والنزاعات والأطماع تحت عناوين تخفي الدافع الحقيقي لسفك الدم. حروب دول ودويلات وقبائل ومجموعات وقوى، ومدن تبني حصونها وتستعد للدفاع حتى الموت، والخاسر الأكبر هم الأبرياء وقود الحروب وحطبها. ولا يجد المرء في غمار بحور الدم ورياح الكره العاتية، إلا بصيصاً من الحكمة والقلوب الرحيمة البيضاء. الإنسان لم يتعلم، ومن سلائقه أن يعيد انتاج الموبقات وثقافة الكره والثأر، حتى أن المنظر الأمريكي فرانسيس فوكوياما، وقبله هيغل، ربطا تعريف التاريخ بالحروب والموت والصراعات. ويعتقد فوكوياما، في كتابة «نهاية التاريخ والإنسان الأخير» أن الديمقراطية، هي الخيار الوحيد، وهي التي سوف تنتصر على التاريخ وتنهيه. وثبت زيف نظريته. إذ كثير من الحروب وسفك الدماء، جرى هندستها في معاقل الديمقراطية، واستخدمت رؤية فوكوياما نفسه، في إحياء أبشع فصول التاريخ، مثل احتلال العراق وحرب الحضارات. النظرية الديمقراطية سنت قوانين لإرغام الناس وترويضهم، ولكنها لم تغير ثقافتهم ولم تلغ أطماعهم وعبقريات الشر، لهذا يتحول بشر، يسكنون بلاد الديمقراطيات ويتفاخرون بها، إلى وحوش تتلذذ بتدمير الآخرين وإذلالهم، في كل ما هو خارج القانون. وهذا بالضبط ما كانت ترتكبه صحيفة «شارلي ابدو» الفرنسية، باسم حرية التعبير تارة أو باسم السخرية تارة أخرى. وهي صحيفة متعصبة ومتطرفة، وفوضوية ومؤذية للضمير الإنساني، وسلوكها التحريري يستفز المتدينين، والمسلمين بصفة خاصة، حتى أن بعض المسلمين يؤمنون أن الصحيفة تهندس خططا خاصة ومتعمدة لإيذاء المسلمين تحت ستار حرية التعبير. وحدث أن سلوك «شارلي أبدو» الاستفزازي، أثار متعصبين إسلاميين، فردوا بطريقتهم على تطرف الصحيفة، وإن كان الأسلوب الثأري الإرهابي لا تقره أغلبية المسلمين ولا حكماؤهم. وكان الأجدر بدلاً من مهاجمة مقر الصحيفة بالأسلحة واندلاع معركة، مناظرة الصحيفة وتعريتها فكرياً، وأخلاقياً وقانونياً. السلوك المتطرف للصحيفة الفرنسية، أثار رداً متطرفاً، وسالت دماء وذهب أبرياء لا ذنب لهم، ولم يكونوا طرفاً لا في المعركة ولا في الصراع، مثل الجندي المسلم والمتسوقين في السوبر ماركت. وهذه الحادثة تعيد إنتاج ثقافة الصراع والموت التاريخية، ومعارك المتطرفين الذين يغرقون الناس في بحور الدماء ورياح الكره. لو لم يكن هتلر متطرفاً قومياً، لما شن حروبا مدمرة، ولما التهمت الحرب العالمية الثانية 50 مليون إنسان، وأدخلت الإنسانية في نفق مظلم. ولا بد أن الحرب العالمية الأولى المدمرة اشعلها متطرفون، وأشعلوا شرور الحروب التي قبلها والتي بعدها. وبضاعة الموت هذه يثيرها، دائما، متعصبون ورعاع ومتغطرسون وطماعون ووكلاء شياطين، ويشوى فيها ملايين الناس الأبرياء ويعجز عن اطفاء اشتعالاتها الحكماء. في وقتنا الراهن، المتطرفون يدمرون العراق وسوريا وليبيا واليمن والصومال وجنوب السودان وأوكرانيا، ويدمرون أوطانهم ويدمرون أنفسهم، ويحييون التاريخ بالدم والنار. فيما حكماء هذه البلدان، مهمشون، ولا حول لهم ولا قوة ولا يستطعيون إلا الحسرة ولعق جراح الآلام، ولعن شياطين الفتنة. وتر لؤلؤة تاج التاريخ .. مدينة الرشيد البهية تنتحر.. يختطفها وحش الموت.. ركام.. وأنين محتضرين.. ونعوش.. وأشلاء طفل وجسد أم يحترق.. وحليب مسكوب. هجرت البساتين الفواحة أفراحها.. وجفت حقول القمح.. ولبست المدينة ليلها.. عويل يتامى.. وآلام ثكالى ومآتم ونواح..

مشاركة :