أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان استقالته احتجاجا على وقف إطلاق النار المبرم مع حركة حماس. فيما يعتبر كرستين كنيب أن التخلي عن العنف يخدم حسابات بعيدة المدى. القوة تعني في الوضع القائم لا للتفاوض. والقوة تعني أكثر مواصلة الصراع العسكري حتى يستوعب العدو أن لا فرصة له ويستسلم بالتالي. وهذا التصور للقوة حدد طوال سنوات استراتيجية وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان. والآن في النزاع الأخير في غزة لم يتمكن من فرض ذلك وقدم بالتالي استقالته. واتفاق السلام المبرم في الثلاثاء من هذا الأسبوع اعتبره " انهزاما أمام الإرهاب". وهو يعني بدون لبس حركة حماس. ليبرمان محق عندما تكون إسرائيل رهينة بالقوة العسكرية. فبدونها لما باتت الدولة اليهودية موجودة. وفي الوقت الذي يتمركز فيها حزب الله اللبناني المسلح من طرف إيران مباشرة على الحدود مع إسرائيل، فإن البلاد لا يمكن لها التخلي عن القوة العسكرية. ويمكن لإسرائيل أن تنفذ هجوما فقط عندما يمكن لها على الأقل الإشارة بمصداقية إلى إيجاد توازن في الرعب. وحتى هذا كما في السابق موجود باستخدام أسلحة تقليدية رغم أن حزب الله يتسلح بقوة. حسابات نتانياهو والسؤال هو إلى أين سيؤدي توازن الرعب على المدى الطويل سياسيا؟ وهذا التفكير حمل رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو على ما يبدو إلى قبول وقف إطلاق النار بعد التصعيد الحاصل في قطاع غزة خلال الأيام الماضية. ومن منظور قصير يمكن القول بأنه يراعي الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية في السنة المقبلة. وإذا جنب البلاد حربا إضافية في غزة، فإن الناخبين حسب حساباته سيكافئونه هذا العمل. ومن ناحية السياسة الخارجية، فإن الهدوء في غزة يخدمه، لأنه يجنبه ضغوطا إضافية من شركائه. كما أن هذا الهدوء يساعد في آن واحد في الجهود الرامية إلى ربط علاقات أفضل مع الدول العربية، كما يحاول نتانياهو فعله حاليا بنجاح في منطقة الخليج. كرستين كنيب وبالنسبة إلى الفلسطينيين في قطاع غزة سيعني هذا أنهم سيواصلون الترنح مغلوبين على أمرهم في ذراع إسرائيل الممتدة، لأنه باستراتيجية شن مواجهات مسلحة بقليل من استخدام الأسلحة لا تجنب فقط نتانياهو الانتقاد الغربي، بل هي تساهم أيضا في أن تكون حماس وأنصارها مجبرين على طرح بعض الأسئلة، مثل هل يعتقدون بجدية أنهم قادرون على دفن تفوق القوة المطلق لإسرائيل بإطلاق صواريخ وقنابل مصنوعة يدويا. بالطبع الفلسطينيون يتألمون في قطاع غزة بسبب إغلاق المنطقة. وإسرائيل تتحرك بيد قاسية مثلا في أكتوبر عندما قررت الحكومة في القدس بعد مواجهات مسلحة على الحدود تقليص منطقة صيد السمك حول غزة. الاعتدال بفضل الاهتمام العالمي إلا أن كافة التجارب إلى حد الآن أظهرت أن هذه الهيمنة من خلال العنف لم تأت بأي تغير في توجه حماس. حماس تحكم قطاع غزة منذ 2007. ويمكن وصف هذه المدة الزمنية بأنها سنوات ضائعة: خاسرة من أجل إحلال إجراءات بناء الثقة التي بإمكانها تحسين حياة الفلسطينيين بوضوح. إلا أن حماس غير مستعدة لذلك. فالعمل الحكومي المسؤول له وجه آخر. وقد يكون نتانياهو في قراره بقبول وقف إطلاق النار مع حماس قد اتبع حسابات دقيقة. لكنه يأخذ هذا القرار مع الوعي بأن جمهورا عالميا يراقب بإمعان سلوك الفاعلين في قطاع غزة ولا يتردد في اتخاذ موقف. وأن تفضل نظرة الجمهور العالمي التحفظ العسكري، هذا ما فهمه نتانياهو بشكل أفضل من وزير الدفاع ليبرمان ـ وأحسن أيضا من النخبة القيادية لحماس. ويكشف قرار نتانياهو أن نظرة الرأي العام العالمي على ما يبدو تؤثر في تخفيف النزاع. وهذا قد يجعل من الممكن أن يحل محل العراك العسكري على المدى الطويل المنافسة للذكاء السياسي والدبلوماسي. نزاع الشرق الأوسط سبق أن خيب العديد من الآمال. لكن بدون عجب تنشأ آمال جديدة باستمرار. وأن يجلب الانتباه العالمي الاعتدال العسكري، فإن هذا سيكون من بين آخر هذه الآمال. كرستين كنيب
مشاركة :