معلومات شبه مؤكدة جاءت من قطر مفادها أن أمير قطر الحالي تميم بن حمد لديه تحفظات على ممارسات والده السياسية تجاه دول المقاطعة، ويبدو أن كثيرين من عقلاء القطريين يشاركون أميرهم الموقف ذاته. فليس ثمة مبرر – كما يقولون – يدعو إلى هذا التهور والاندفاع غير المبرر، وإنفاق الملايين، إذا لم تكن المليارات على هذا التوجه الانتحاري الذي سيعود عليهم بخسائر وعزلة وتكريس للكراهية والعداء اللّهم إلا الحقد على الدول الأربع؛ ربما أنه كان يؤمل في الربيع العربي، الذي أنفق عليه وعلى الثورات التي رافقت هذا الربيع، مبالغ كبيرة، إلا أنه خرج كما يقولون في النهاية بخفي حنين. إلا أن السياسي الذي لديه أقل قدر من الحصافة يعرف أن السياسة هي فن الممكن، والأحقاد إذا استحوذت على السياسي، وصارت توجهه، وتوجه قراراته، فإنه في نهاية المطاف سيزيد من تورّطه تورطاً ومن أزمته أزمة؛ فالإنسان لا يختار جيرانه، ولا يمكن إطلاقاً أن يبقى على خلاف معهم، إلى أبد الآبدين, ومن يتابع لقاء الحمدين مع القذافي ويقرأ ما بين السطور سيلحظ في توقّعاته وكثير من تحليلاته بُعده الكبير عن الواقع، فالمملكة، وشرعية عائلتها المالكة، ضاربة جذور شرعيتهم في أعماق التاريخ، وهز هذه الشرعية ضرب من ضروب الوهم، فضلاً عن أن دولته ذاتها دويلة صغيرة، طارئة، كانت تاريخياً جزءاً من مملكة البحرين، والذي حافظ على انفصالها عن البحرين بريطانيا، مارست انتداباً عليها، كمشيخة مستقلة، ولم تنل استقلالها إلا في بدايات السبعينيات من القرن المنصرم، كما أن سكانها، بمن فيهم آل ثاني أنفسهم، جاؤوا من وسط المملكة، الأمر الذي جعلها بلا تاريخ ولا تراث، إضافة إلى صغرها الجغرافي، فهي أرض جغرافية صغيرة ممتدة في الخليج، تحيط بها المملكة من ثلاث جهات وتبدو من الأعلى كالزائدة الدودية في جسم الإنسان؛ غير أن الغاز الذي تفجّر فيها فجأة جعل (حمد بن خليفة) يشعر أن بإمكانه أن يحول قطر من زائدة دودية إلى دولة إقليمية كبرى في المنطقة. لكن المال وحده لا يصنع الدول، وهذا ما فات على حمد ومن (ينظرون) له أن يدركوه. ومن يقرأ تاريخ النزاع السعودي القطري يجد أنه بدأ منذ منتصف التسعينيات، عندما (انقلب) حمد على والده خليفة، هذا الانقلاب أقحم قطر في النفق الذي تعاني منه الآن، وربما أنه قرأ تسامح المملكة ومحاولاتها التهدئة، والصبر، وطول البال، بأنه ضعف منها؛ وبدلاً من أن يواجه فشله في ما سموّه بالربيع العربي، أقنع نفسه، أنه خسر معركة ولكنه لم يخسر الحرب، وتمادى في التدخل في شؤون الدول التي فشل فيها الربيع العربي مرة أخرى، ووظّف أصحاب اللحى المزيَّفة، إضافة إلى شباب وشابات، ليكونوا لقطر بمثابة حصان طروادة، رغم أنه كان (متعهداً) للمملكة بالكف عن هذه المشاغبات المجانية، لذلك عندما اتخذت الدول الأربع قرار المقاطعة الحازم أُسقط في يده، وصار يتخبط لا يعرف ماذا يفعل. وأتمنى من كل قلبي أن يأتي لي بمبرر منطقي لمصلحة قطر وأهل قطر من إثارة الفتن والقلاقل في دول المقاطعة الأربع، وهذا السؤال بالذات ما يطرحه عقلاء قطر على حمد كما يُقال إن القطريين بدؤوا يسألون قادتهم عنه. إلى اللقاء.. نقلا عن الجزيرة
مشاركة :