إشكالية المصطلح وهلامية المفهوم والجدل بيزنطيعبدالرحمن سليمان السويد إن درجة إشكالية اشتغال المصطلح، وما ينتج عنه من أدلجة أو حجب معرفي أو إسقاط مفاهيمي يُلقي بدوره على مصداقية المنهجية المتبعة في فالمشكلة تتفاقم نحو سوء الفهم الذي يقود إلى الاختلافات والصراعات النسبية، من حيث حجب مفاهيم على حساب مفاهيم أخرى، أو استنطاق نصوص بطريقة قسريّة لم تخضع لأبجديات المنهج العلمي . فالعالم المتقدم يعاني نفس المشكلة من المصطلح والمفهوم ولكنها قليلة مقارنة مع الدول النامية التي تتأثر كثيرا وتنتهي بنتيجة سوء الفهم – وما ادراك ما سوء الفهم – الذي أيضا يؤدي إلى ارتكاب أفعال واعمال جسيمة. فطريقة تداول المصطلحات أو حتى سك المصطلحات أو نحتها في الفكر العربي المعاصر لا يزال مثار إشكالية لا يمكن إنكارها مما يجعل بعض نتائجها لا بد من إخضاعها لنقد مضاد وبنفس الدرجة أيضاً لبيان زيفه وألاعيبه، فاللغة العربية دستورا في نحوها وصرفها وبيانها وبلاغتها، واللغة قد تكون مصدر خلاف أو ائتلاف وتعايش بسلام.فأم اللغات – العربية المعربة – واجهت وما زالت تواجه تحديات كبرى، رغم من تملكه اللغة العربية من مقومات وخصائص فريدة، فهذه اللغة هي الأولى عالميًا كماً ونوعاً وملائمةً فهي لغة سياسة، ولغة أمن واقتصاد، ولغة اجتماع وثقافة، وإلا ما حفظها القرآن لُغةً والشعر الجاهلي نشداً. ومن المُخجل أن أهل اللغة العربية لا يعبرون عن معانيها لتحقيق المطلوب، فاللسان العربي مُتكلس ومُصاب بمُتلازمة لحن القول وسوء الفهم والعمل معًا بل وأسوء أيضاً.إن أكثر من يختلف فيه الناس هو ردة فعلهم من التأويلات الغير منضبطة، انتقلت وهي محملة بحمولة مفاهيمية كبيرة سواء على كانت تلك الحمولة المفاهيمية على المستوى الفلسفي أو على المستوى التاريخي أو حتى على المستوى العقائدي، لذلك يذكر د.سفر الحوالي بأنه لا يوجد في عالم المنطق البشري ولا لدى الفلاسفة والمُنظرين ما يمكن أن يضبط المصطلح، فقد شكى منها الأئمة الكرام فالإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله- قال: “إن أكثر من يختلف فيه الناس هو بسبب التأويل”.وهنا نرى ما حصل بين القديم والحديث (حدثان مؤثران) ففي القديم كانت اللغة العربية في الصدارة فولدت حضارة عظيمة شعارها الأدب والعلم فصدرت الكتب والرسائل والمعاجم. …..الخ، واستمرت النهضة لمئات السنين حتى وصلت الاشباع الحدي، تلاها تناقص المنفعة الحدية للحضارة، ويؤيد ذلك صاحب معجم لسان العرب ابن منظور، ففي عام 710هـ وهو القائل لقد أصبح اللحن في الكلام لحنًا مردودًا، وصار النطقُ بالعربية من المعايب معدودًا. وتنافس الناسُ في تصانيف الترجمات باللغة الأعجمية، وتفاصحوا في غير اللغة العربية فجمعت لسان العرب في زمنٍ أهلُهُ بغير لغته يفخرون، وصنعته كما صنع نوحٌ الفلكَ وقومُه منه يسخرون. والحدث الثاني نشهده بحضارة اليابان الراهنة ووصولها للمكانة العالمية واليابان اليوم أحد الدول الصناعية السبع الكبرى في العالم، ولا مجال للمقارنة بين اللغة العربية ولغة أهل اليابان المُصنفة باللغة المعزولة التي ليس لها قرابة أو نسب إلى غيرها من اللغات، ومع ذلك اتقنوا صناعة المصطلح والمفهوم بفهم في بيئة دون أخرى وفي سياق دون سياق، فاليابان أنتجت قاطرات متنقلة كبيرة تملك خاصية تحويل المركبة إلى مسجد يقام فيها الاذان والصلاة. فمعلوم أن مفتاح الحضارة هي اللغة، فعندما قننوا مصطلحاتهم ومفاهيمهم وصلوا درجات متقدمة في الإنتاج والتوزيع والاستهلاك المرشد بكافة المجالات. وهنا أتساءل ماذا تتوقع لو أن اليابان لغتهم العربية، فما هم إذن فاعلون ؟. فلو أن اليابان لا يجيدون المصطلح والمفهوم لما صنعوا الثقافة الاجتماعية المُتقدمة، بل نجدهم في حالة جدل بيزنطي بل منهم من يوظف ويوجه المصطلح لما يريد ضد الآخر.
مشاركة :