قرون عديدة من الزمن مرت وتغيرت ملامح أمكنة واندثرت وانبثقت أخرى ولكن الثقافة والتراث الفكري لم يندثرا وهاهو سوق عكاظ الذي انبثق ثانية بعد ان طواه النسيان قرونا عديدة يحتفل بعامه الثامن منذ انطلاقته وبعثه على يد الامير الشاعر خالد الفيصل الذي اعاد الى الذاكرة ملامح هذا السوق ودفعنا الى المزيد من التخيل واستدعاء التراث الشعري لشعراء كان السوق ملتقاهم والرواد مريديهم والشعر راياتهم. اسماء عديدة تستدعيها الذاكرة واسماء جديدة تقف عندها، وهانحن هنا نشهد امير منطقة مكة المكرمة يكرم الفائزين بجوائز سوق عكاظ في دورته الثامنة وفي ثوبه الجديد الذي لم يتجاهل الماضي وهو يرفل بثوب العصر. حيث حصل على جائزة شاعر عكاظ وقيمتها 300 ألف ريال إضافة للبردة الشاعر التونسي محمد المنصف مختار الوهيبي، فيما نال جائزة شاعر شباب عكاظ وقيمتها 100 ألف ريال الشاعر السعودي علي بن واصل علي الدندن، أما جائزة لوحة وقصيدة ففاز بها ثلاثة أشخاص هم: يوسف إبراهيم، ومحمد سعد الخبتي، وصادق غالب يماني، فيما حصل محمد بن حسين البيروتي على جائزة الإبداع والتميز العلمي. أما جائزة التصوير الضوئي فحجبت هذا العام لعدم ارتقاء الأعمال المقدمة إلى المستوى، وفي جائزة الخط العربي فاز كل من: عبدالرزاق محمد المحمود (سوري الجنسية) بالمركز الأول، ومصطفى فلوح (مغربي الجنسية) ومهند جابر السباعي (سوري الجنسية) بالمركز الثاني مناصفة، وكذلك المركز الثالث مناصفة بين عبدالناصر مصطفى مشعان (سوري) وعبيد فهيد النفيعي (سعودي). شاعر عكاظ بعد ان ألبسه امير مكة بردة عكاظ ألقى المنصف الوهيبي الفائز بلقب شاعر عكاظ قصيدة «تحية شعرية لعكاظ» فال في مطلعها: «هذا عكاظ وهذا سوقه الأدب وماء شعرك منهل.. فمنسكب ومنجلك سحب للشعر واقفة الا وقد اعقبت من سوقه سحب» وبعد ذلك قرأ مقطعا من قصيدته الفائزة بجائزة شاعر عكاظ قال فيه: ولربّما في مثل هذا اليوم من ذي القعدةِ انحدرُوا إلى وادٍ بنخلةَ.. كنتُ صبْحَ هلاله.. أعْطـُوا إليهمْ.. كالغزالِ.. أنا الهلاليَّ الصغيرَ.. وَهُمْ وكلٌّ أمّةٌ كانوا على سُحُبِ النجائب؛ وهي تـُرْزِمُ تحتهم؛ يتناشدونَ وينشدونَ: عُكاظُ سوقُ الشعرِ.. تلكَ حديقةُ العربيّة الأولى.. كبرْنا كالنخيلِ بها.. تعلّمنا القِيافةَ في مرابِعِها.. عشقنا.. والنساءُ يثِبْنَ من تفّاحها.. يسكبْنَ في ماء القصائدِ ماءَهُنَّ.. الشمسُ تُجْلَى في قلائدِ خاطفاتِ الظلِّ.. إذ يلفـُفنـَنا بجناحِ أغنيَةٍ.. وإذ يُسْنِينَ زهرتنا.. بأزهارِ الحواشِي غضّةً.. وبإصبعِ النيرانْ هنّ السماءُ تـُظلّنَا.. والأرضُ هنّ تُقِلّنا.. خيْطُ النعامِ ورِقـّـهُ حينًا.. وحينًا ريشُهُ.. منْ رَيْطةِ الفتيانْ هذا الخباءُ تـَخذنَهُ للعاشقينَ مُمَدّدًا.. هذاالأديمُ بسطنَهُ ـ والأرضُ لا عَوجٌ ولا أمْتٌ عُكاظِيًّا، على إيقاعِ داليةٍ وأسورَةٍ وأشْنافٍ مُدوّرةٍ كهذي الأرْضِ.. واسعةٌ كهذي الأرْضِ، وهي تدور بي.. في بئرِ رُوطَةَ.. يا قوادِيسِي الحبيسةَ أنتِ.. دُورِي ثمّ دُورِي.. ثمّ دُورِي بِي.. بِنَا.. ما دارَ فيكِ الماءْ إنّي لأرْمِي الأرضَ من ستّينَ.. لكنْ لمْ أُصبْ ما قد أصَبْتُ صباحَهَا؛ مِنْ خائطي الألوانِ والأضْواءْ وَمعلّقاتهمُ «إلهاتٌ شقيقاتٌ».. عرائسُ هنَّ.. سبْعٌ.. مقبلاتٌ.. ربّما تسْعٌ.. فراشاتٌ.. أتسمعُ في فواتحِهنَّ نبضَ حَفيفِ أجْنِحَةٍ؟ ألا تصْغي لِصَوتِيَ مثل صَلْصَلةٍ من الأجراسِ.. قلْ في كلّ مثْنًى أو مثنّى ثالثٌ.. بلْ فحْمُ ظلّ.. أنتَ؟ ربّما أنا؟ بعد ان انتهي الوهيبي من القاء قصيدته البس الامير مشعل بن عبدالله، الشاعر الشاب علي الدندن -من الاحساء- بردة عكاظ وبعدها ألقى الدندن قصيدته التي فازت هذا العام بلقب شاعر عكاظ «حناء من سراب» والتي يقول في مطلعها: فتيٌ.. يهيمُ القمحُ وجداً بسُمْرَتِـهْ تناسلت الآبادُ من صُلْبِ لحْظَتِهْ خُـزامى حقولِ الشعرِ طعمُ شفاههِ تودُّ الصحارى لو تفوزُ بقُبْلَتِـهْ يسيرُ.. ضلوعُ الرملِ تحرسُ خطوَهُ وأصداءُ «ذي قارٍ» تـرُنُّ برُكْبَتِـهْ يمدُّ ذراعيهِ، فيقتطِفُ الضّحى غِلالاً، ويجتثُّ المساءَ بنجْمَتِهْ قليلٌ تجافيهِ، قليلٌ شحوبُهُ قليلٌ بهِ نُكرانُـهُ، يالِـكَثْرَتِـهْ..! أرى وطناً.. أعني الفتى وهو راحلٌ وليسَ سوى الحُلْمِ القصيِّ بجُعْبَتِـهْ بخارطةٍ.. محضُ الجسارةِ كنزُها على سابحٍ.. تعدو الصَّبا فوقَ صَهْوَتِهْ تراودهُ الغدرانُ، لمْ يغترفْ بها سوى الحبِّ -عذب الحبِّ- ماءً لقِرْبَتِهْ إذا حنَّ للمعنى وجاعَ.. طعامُهُ على البُعدِ.. من ضأنِ المحالِ وظبْيَتِهْ ضليعٌ بمضغِ الوقتِ.. ما استلَّ حقبةً سوى وطهى منها إداماً لِـلـُـقْمَتِهْ..! مسرحية عمرو بن كلثوم بعدها جرى تقديم عرض مسرحية الشاعر عمرو بن كلثوم وما جسدته من أحداث ووقائع في الحقبة التي عاشها الشاعر وهي من تأليف رجاء العتيبي وتتكون من 12 مشهداً متتابعاً مكتوبة بلغة بصرية وفقاً لأسس الكتابة المسرحية. حاول المخرج من خلال مشاهد العرض ان يكسر ايهام المسرح وأن يربط الماضي بالحاضر عبر استدعاء مقاطع من قصيدة لعمرو بن كلثوم ومشاهد من علاقته بالحكام وقتها. ثم بعد ذلك قدم عملاً فنياً فلكلورياً من ألحان خالد العليان وأداء الفنان الدكتور عبدالله رشاد وإخراج فطيس بقنة. من فعاليات السوق وقد أقيمت أمس ندوة عن شعر غازي القصيبي، شارك فيها مجموعة من النقاد والباحثين وأدارها الكاتب الدكتور سعيد السريحي بالإضافة إلى أمسية شعرية. وانطلقت العروض المسرحية واستعراضات القوافل، وبدء الفعاليات الثقافية التي تستمر 4 أيام. كما تشهد جادة سوق عكاظ في موقعها التاريخي بعرفاء، مسيرات الخيالة والقوافل التي تنشد الشعر وتستعيد أيام العرب القدماء، بالإضافة إلى عرض مسرحية عمرو بن كلثوم، التي تحمل اسم «فارس قومه»، وهي من تأليف عبدالرحمن الزهراني، وإخراج ممدوح سالم، ويشارك في تقديمها نحو مائتي ممثل، وترصد المسرحية ملامح من سيرة الشاعر عمرو بن كلثوم، وارتكز كاتب النص على 4 محاور رئيسية، هي: سوق عكاظ التجاري قديما وحديثا، معلقات الشعراء، فنون المبارزة والقتال، وأخيرا الدراما. ويتميز العرض بمحاكاة البيئة ونمط الحياة في تلك الفترة، من خلال نصب أكثر من 15 خيمة بالطريقة نفسها التي كانت مستخدمة، وأكثر من 300 سيف ورمح وسهم، على غرار ما كان يستخدمه فرسان تلك الفترة. المخرج المنفذ الفنان عبدالله اليامي قال إن «العروض المفتوحة ستشهد عنصر الإضاءات المبهرة والفريدة من نوعها التي تطلقها (الجادة) لأول مرة من خلال السوق. وهذا العمل يصنف في (مسرح الشارع) الذي يعتبر من أصعب المسارح، لكونه يعتمد على العمل في أرض فضاء، مع مراعاة تكوين مجسمات وأدوات وحيوانات وبشر، ما بين ثابتة ومتحركة، دون الاعتماد على (خشبة مسرح) كما تعود الجمهور، وهذا ما سيشاهده المارة على الأرصفة». عمرو بن كلثوم اختار السوق هذا العام شخصية الشاعر عمرو بن كلثوم التغلبي، أبو الأسود (توفي 39 ق.هـ/ 584 م)، وهو شاعر جاهلي مجيد من أصحاب المعلقات، من الطبقة الأولى، ولد في شمال الجزيرة العربية في بلاد ربيعة وتجوّل فيها وفي الشام والعراق. والده كلثوم بن مالك التغلبي وأمه ليلى بنت المهلهل (الزير سالم) التغلبي وعمها وائل الذي عرف باسم كليب. كما شهد والداه وأخواله حرب البسوس التي مزقت العرب 30 عاما، يذكر ان عمرو بن كلثوم هو الآخر تسبب في حرب أخرى غيرة على كرامة والدته التي استفزتها والدة عمرو بن هند ملك المناذرة. وعاش عمرو بن كلثوم زمنا طويلا بين الحرب والقتال وكان من عظماء العرب وأشرافهم وفرسانهم، عزيز النفس، وقد عمّر طويلا حتى قيل إنه عاش 150 عاما، وكانت وفاته في حدود سنة 600م. اشتهر عمرو بن كلثوم بالشعر كما اشتهر بالألفة وعزة النفس والفروسية، وكانت معلقته التي مطلعها «ألا هبي بصحنك فاصبحينا»، أشهر قصائده، وقيل إنها احتوت على أكثر من ألف بيت، ولكن ضيع الرواة أغلبها وما بقي منها إلا ما هو معروف منها اليوم. الامير مشعل بن عبدالله مع ممثلي مسرحية « فارس قومه» د. منصف الوهيبي يلقي كلمته جانب من عرض المسرحية الامير مشعل والامير سلطان خلال جولة في المعارض
مشاركة :