تتجه أنظار جماهير كرة القدم نحو غينيا الإستوائية التي تستضيف اليوم (السبت) وحتى الثامن من شباط (فبراير) المقبل النسخة الـ30 من بطولة كأس الأمم الأفريقية لكرة القدم التي تعد البطولة الثالثة في الأهمية على صعيد البطولات الدولية الكبرى بعد كأس العالم وبطولة أمم أوروبا لما تضمه المنتخبات الأفريقية نخبة من أفضل اللاعبين المحترفين في أبرز الأندية الأوروبية. وقسمت المنتخبات الـ16 المشاركة إلى أربع مجموعات تضم الأولى كل من غينيا الإستوائية والكونغو والغابون وبوركينا فاسو، والمجموعة الثانية زامبيا والكونغو الديمقراطية والرأس الأخضر وتونس، والمجموعة الثالثة غانا والسنغال وجنوب أفريقيا والجزائر، والمجموعة الرابعة ساحل العاج وغينيا والكاميرون ومالي. وتنطلق مباريات البطولة بمواجهتين الأولى بين غينيا الإستوائية والكونغو والثانية بين الغابون وبوركينا فاسو. ويغيب عن البطولة حامل اللقب نيجيريا ومصر والمغرب بعدما فشل نسور نيجيريا في التأهل بعد احتلاله المركز الثالث في المجموعة الأولى برصيد ست نقاط من التصفيات، والحال ذاته ينطبق على المنتخب المصري، بعد فشله في اجتياز التصفيات القارية للمرة الثالثة على التوالي، على رغم أنه أكثر منتخبات القارة فوزاً بلقب البطولة إذ توج به سبع مرات. كما يغيب المنتخب المغربي بعد أن سُحب تنظيم البطولة منه بقرار من الاتحاد الأفريقي (كاف)، ومنحها إلى غينيا الإستوائية لمطالبة المغرب بتأجيل البطولة خوفاً من تفشي فايروس «إيبولا». وعلى مدار 58 عاماً، منذ انطلاق البطولة عام 1957، مرت كأس الأمم الأفريقية بمحطات بارزة، إذ شهدت تطوراً في مستواها لتتحول من بطولة تقتصر على ثلاثة منتخبات فقط إلى حلبة قوية للتنافس بين 16 منتخباً. انطلقت البطولة في العاشر من شباط (فبراير) 1957 على الملعب البلدي في الخرطوم، وتعود فكرتها إلى الثامن من حزيران (يونيو) 1956 ،عندما اجتمع المصريان عبدالعزيز سالم ومحمد لطيف، والسودانيون عبدالحليم شداد، وبدوي محمد، وعبدالحليم محمد، والجنوب أفريقي فريدويل في فندق في البرتغال ليناقشوا فكرة تأسيس الاتحاد الأفريقي وإطلاق مسابقة بين منتخبات القارة. وانعقدت الجمعية التأسيسية بعد ثمانية أشهر في الخرطوم قبل يومين من المباراة الافتتاحية للدورة الأولى، التي ضمت ثلاثة منتخبات فقط هي مصر والسودان وإثيوبيا، فيما استبعدت جنوب أفريقيا بسبب سياسة التمييز العنصري، وانتزعت مصر اللقب الأول. وانطلقت النسخة الثانية في عام 1959 في مصر، بمشاركة ثلاثة منتخبات أيضاً هي مصر، والسودان، وإثيوبيا وأقيمت بنظام المجموعة الواحدة ، وحافظت مصر على اللقب. وفي عام 1962 احتضنت إثيوبيا البطولة الثالثة، وارتفع عدد المشاركين إلى أربعة منتخبات بانضمام منتخبي تونس وأوغندا، وتمكنت إثيوبيا من إحراز اللقب للمرة الأولى. وفي عام 1963 استضافت غانا النسخة الرابعة وفازت بها، ثم حافظت على لقبها في النسخة الخامسة في تونس عام 1965. وعادت البطولة إلى إثيوبيا عام 1968، وأقيمت للمرة الأولى بنظام المجموعتين لارتفاع عدد المشاركين إلى ثمانية منتخبات، وتمكنت الكونغو من إحراز اللقب. وفي عام 1970 استضافت السودان البطولة القارية للمرة الثانية، وتوّجت بلقبها للمرة الأولى، وفي عام 1972 أقيمت البطولة في الكاميرون وتوّج بها المنتخب الكونغولي، ثم استضافت مصر بطولة 1974 وحافظ منتخب الكونغو الديمقراطية على لقبه. وفي عام 1976 أقيمت في إثيوبيا، للمرة الثالثة وتوّجت المغرب باللقب. وفي 1978 أقيمت في غانا، وانتزعت المستضيفة اللقب. ودونت نيجيريا اسمها للمرة الأولى في سجل البطولة في عام 1980، عندما استضافت البطولة وفازت بلقبها، واحتضنت ليبيا بطولة 1982 وتوجت بها غانا بطلة للمرة الرابعة، وفي عام 1984 احتضنت ساحل العاج البطولة، وانتزعت الكاميرون اللقب للمرة الأولى. واستضافت مصر نسخة 1986 وفازت باللقب للمرة الثالثة. ثم أقيمت البطولة الـ16 عام 1988، في المغرب وتوّجت الكاميرون باللقب. وفي عام 1990 أحرزت الجزائر لقبها الأفريقي الأول بعد أن استضافت البطولة، وأقيمت البطولة في السنغال في عام 1992، وفازت بالكأس ساحل العاج. وفي عام 1994 احتضنت تونس البطولة وفازت نيجيريا باللقب. وفازت جنوب أفريقيا ببطولة 1996 التي نظمتها للمرة الأولى، وفي بطولة بوركينا فاسو 1998 تمكن المنتخب المصري من الفوز باللقب. وأقيمت بطولة 2000 في دولتي غانا ونيجيريا، وتمكن المنتخب الكاميروني من انتزاع اللقب، وفي عام 2002 احتضنت مالي البطولة، وحافظت الكاميرون على لقبها. وفي عام 2004 استضافت تونس البطولة ونجحت في الفوز باللقب، وأقيمت البطولة في عام 2012 في غينيا الإستوائية والغابون، وتمكنت زامبيا من التتويج باللقب للمرة الأولى في تاريخها. واضطر الاتحاد الأفريقي «كاف» إلى تغيير موعد انطلاق البطولة لتقام في الأعوام الفردية بدلاً من الزوجية، فاحتضنت جنوب أفريقيا بطولة 2013 بدلاً من ليبيا لسوء الأوضاع الأمنية بها وفازت نيجيريا باللقب. معارضو «الاستضافة» يتحججون بثنائية «الديكتاتورية والفقر» بحثاً عن الاعتراف الدولي الذي تم رفضه منذ فترة طويلة بغينيا الاستوائية، أحد البلدان غير الديموقراطية وبين الأفقر في العالم، وافق الرئيس تيودورو أوبيانغ على رفع التحدي واستضافة النسخة الـ 30 من كأس أمم أفريقيا بعد 3 سنوات من الاستضافة المشتركة مع الغابون للنسخة الـ28. وسعياً منه إلى تلميع صورته، وافق على لعب دور المنقذ الذي تشبث به الاتحاد الأفريقي حتى لا ينظم النهائيات خارج القارة السمراء، على اعتبار أن قطر عرضت خدماتها لاستضافة الحدث في حال أغلقت جميع الأبواب في وجه رئيس الاتحاد الأفريقي عيسى حياتو. ووجد الاتحاد الأفريقي ضالته في غينيا الاستوائية بعد لقاء جمع رئيسها تيودورو أوبيانغ الذي يدير البلاد منذ 35 عاماً بقبضة من حديد، مع الكاميروني عيسى حياتو الذي يترأس الاتحاد القاري منذ 1988 عندما انتخب في المغرب بالتحديد. وتبلغ مساحة غينيا الاستوائية التي استضافت النهائيات عام 2012 مشاركة مع الغابون 28 ألف كيلومتر مربع ويقطنها 720 ألف نسمة. وستقام النهائيات حتى 8 شباط (فبراير) المقبل في 4 مدن هي العاصمة مالابو وباتا، اللتان استضافتا نسخة 2012، ومونغومو وإيبيبيين. وتأهلت غينيا الاستوائية مباشرة بصفتها الدولة المضيفة، علماً باًن منتخبها استبعد من التصفيات في تموز (يوليو) الماضي لإشراكه أحد اللاعبين غير المؤهلين. وعلق حياتو مازحاً عقب موافقة غينيا الاستوائية على الاستضافة: «قبل شهرين من الحدث، ولقبول تنظيم بطولة مثل هذه، عليك أن تكون أفريقياً قحاً». وتعوّل غينيا الاستوائية على البنية التحتية التي أنشأتها عام 2012 لتنظيم النهائيات، خصوصاً ملعبي مالابو (في جزيرة بيوكو) وباتا والطرق والفنادق التي بنيت لتلك المناسبة. لكن المشكلة حالياً تكمن في الملعبين الآخرين بمدينتي مونغومو وإيبيبيين حيث الكثافة السكانية ضعيفة وليست بحجم العرس القاري. وعلى رغم ذلك، قال وزير الرياضة: «الإقامة في إيبيبيين ومونغومو مثالية وجاهزة وكذلك الفنادق والمساكن الاجتماعية حيث ستقيم بعض المنتخبات»، مضيفاً: «ليست هناك مشكلة، يمكننا استقبال أي عدد من الناس الذين قد يأتون إلى هنا، وجميع الأشغال في الملاعب ستنتهي في الموعد». واحتجت منظمة «مراسلون بلا حدود» ضد تنظيم غينيا الاستوائية كأس أمم أفريقيا، وتطرقت إلى «القمع الرهيب ضد حرية الإعلام»، مضيفة: «في غينيا الاستوائية، سترون فقط أرضية ملاعب لكرة القدم (...) لن تعلموا أي شيء عن الفقر والفساد والقمع السياسي الذي تعاني منه البلاد، لأن حرية المعلومات لا وجود لها». وعلاوة على ذلك، فإن الدولة الصارمة جداً لن تستقبل سوى حفنة من المشجعين الذين سيتم انتقاؤهم بحذر. وقال الرئيس أوبيانغ إن «مطاردة الهجرة غير الشرعية ستكون ضمن جدول الأعمال، فالجيران الذين يرغبون في مشاهدة مباريات كأس أمم أفريقيا، يجب أن ينظموا رحلاتهم على متن الحافلات، وأن يسجلوا أسماءهم في قنصلياتنا وسفاراتنا، وستتم مصادرة جوازات سفرهم عند الحدود وتسلّم إليهم عندما يعودون إلى بلدانهم». أما محلياً، فاحتج العضو الوحيد في المعارضة البرلمانية بلاسيدو ميكو على ما يراه «سخافة، ومظهراً من مظاهر انعدام المسؤولية من النظام الذي يفعل زعيمه ما يشاء. هو يدير المال كما لو كان ماله». وأضاف في تصريح لوكالة «فرانس برس» أن الموافقة على الاستضافة تمت من دون استشارة البرلمان، وليس هناك أي تمويل إضافي في موازنة عام 2015 التي أقرها البرلمان في تشرين الثاني (نوفمبر) وكانون الأول (ديسمبر) الماضيين. وختم: «يشكل النفط 90 في المئة من موارد البلاد. وفي الظرفية الاقتصادية الحالية حيث خسر البرميل بين 40 و50 في المئة من قيمته، فهذا الارتجال غير المسؤول لن يجلب أي شيء إلى البلاد، وسيكون كلياً على حساب التنمية والسكان». وأطلقت ثلاثة أحزاب معارضة أمس نداء طلبت فيه من الجمهور مقاطعة المباريات احتجاجاً على عدم احترام حقوق الإنسان في هذا البلد، وإطلاق سراح اثنين من المعارضين أوقفا الأربعاء لتوجيههما نداء مماثلاً.