الرئيس باراك أوباما هو رئيس دولة عظمى تستطيع أن تعلن الحروب وتحاصر وتقاطع وتمنع وصول أموال الدول إليهم، وتتخذ حق النقض (الفيتو)، وتعمل على إسقاط دول وإبدالها بأخرى، وبمعنى عام تستطيع أن تقود العالم نحو رغباتها دون منازع، لكن ذلك لم يمنع اعترافها بأن قيادة العالم تحتاج إلى قدرات عسكرية ومالية وإدارة سياسية أعجزتها خلال العقدين الماضيين وكلفتها الكثير، فكان أوباما الرجل الذي اعترف أن عصر المغامرات انتهى، وأن أمريكا معنية بمصالحها وفق سياسات لا تقبل تكرار التدخلات العسكرية.. هذا الرئيس الذي تحدث أعضاء في الكونجرس ومراكز القوى الأخرى عنه بأنه متردد في حسم مواقف تحتاج إلى شخصية بوزن أمريكا، ومفاضلته برؤساء آخرين لا يمكن إطلاق حكم شامل عليه إلا من قبل شعبه، وبعد نهاية ولايته، لكننا في الوطن العربي بادرنا بإعطائه زخماً هائلا من التأييد في بداية ولايته وإعلاناته في خطبه وتصريحاته بأنه مع الحق والعدل في القضايا العالمية والعربية، لدرجة أن خطابه في جامعة القاهرة كان فاتحة كبيرة بين أمريكا ودول العالم الإسلامي، وتحديداً دينهم الذي تعرض لموجات وصلت إلى حد إشاعة الكراهية، واصفاً نفسه بأنه عاش تجربتين المسيحية كدين له، والإسلام دين أبيه ومجتمعه الكيني، ولأن الإنسان لا يعاقب على ما يقوله وخاصة رئيس دولة بحجم أمريكا، ولكنه يطالَب بصدق مواقفه وهي من المسائل التي لا يعول عليها أمام تبدل السياسات ومتغيراتها، ودور القوى الفاعلة في الدولة.. أمريكا حاولت الابتعاد عن نيران المنطقة العربية، لكنها لم تستطع، لأن العامل الأول في صياغة أهدافها هو إسرائيل، ثم بقية المصالح الأخرى، ولأن هذه المسألة تعد من ثوابت الأهداف الأمريكية، فقد صرح الرئيس أوباما بعد أن توجه الفلسطينيون للمنظمات الدولية ليكونوا عضواً فيها أنه هاتف "نتنياهو" بأن "السلطة الفلسطينية ليست دولة ذات سيادة، وأنها بالتالي غير مؤهلة للانضمام للمحكمة الدولية". وهذا الكلام ليس جديداً، ولن يغير من المواقف القديمة والحديثة الأمريكية لكن مسألة الاعتراف بدولة فلسطينية ليست وقفاً على رأي أو موقف أمريكي؛ لأن تجارب التصويت على قرارات في الأمم المتحدة، رغم ممارسة أمريكا مختلف الضغوط بما فيها وقف مساعداتها لها، لا تنفي أنها لا تحكمها مهما كان نفوذها، وبالتالي فالقضية قبل أن تكون سيادة دولة، هي إنسانية بسبب عقوبة شعب ساهمت أمريكا في محاربته وتشريده، ولا ننسى أن اعترافها أو امتناعها عن دول مثل كوريا الشمالية وكوبا، وسابقاً الصين الشعبية، لم يمنع دول العالم من تبادل السفراء وفتح مسارات مختلفة اقتصادية وتجارية وحتى عسكرية، والعملية تختلف عن عرض قضية ما على مجلس الأمن بالتصويت عليها أو اتخاذ "الفيتو" فالأمم المتحدة لها رؤيتها وقياساتها ومعاملاتها، وعموماً فهناك من بين الدول الأوروبية من اعترفت، ولو جزئياً بدولة فلسطين، وتبقى عوامل الزمن التي لا تستطيع تغييبها هي نفس المراحل التي جعلت أمريكا نفسها تبدل سياساتها وفقاً لظروف زمنية مختلفة.. القضية الفلسطينية ليست مشروع أزمة، بل هي من فجر العديد من الحروب وغيرها، وصولاً إلى تنامي الإرهاب، وبالتالي فتجاهلها يخدم إسرائيل آنياً ويضر بأمريكا على الأمد البعيد كدولة لديها حساسيات حادة من عداء الشعوب لها.. لمراسلة الكاتب: yalkowaileet@alriyadh.net
مشاركة :