لم يخطئ الرئيس الأميركي حين قال إن «داعش» لا يشكل خطراً وجودياً، إذ مهما كانت جرائمه ومخاطره يظل تكويناً قابلاً للتفكيك والحصار، وهو الجاري حالياً، على رغم التباين في التعامل معه ووجود رغبات في بقائه لبعض الوقت. الإرهاب اليوم تعزيز للفردية واستقلالها في العمل واستثمار وجودها في الظل، لتكون السلاح الخطر في موجة إرهاب جديدة وغير مسبوقة. طلائع هذا العام شهدت تراجعاً واضحاً للتنظيمات الإرهابية في عملياتها في مقابل انتشار عالمي لمحاولات وهجمات فردية تستهدف كل مكان وأي شخص. فكرة «الذئاب المنفردة» ليست ابتكار القيادي في «القاعدة» أنور العولقي، بل يعزوها الباحث التونسي طارق الكحلاوي إلى أصل أميركي، معتبراً أن هذا «المفهوم إبداع خاص مسجل للإرهاب الأميركي الأبيض العنصري، إذ من بين أول من استعمله المنظران، أليكس كورتيسوم وتوم ماتزغار، بدايات تسعينات القرن الماضي، وحددا تعريفه بأنه: عمليات منفردة لعدد محدود جداً من الناس يقومون فيها بتحديد الأهداف والتوقيت والمكان بشكل يبدو مجهولاً وغير مرتبط بقيادة مركزية». الذئب المنفرد عنصر عميق الأدلجة، عالي التدريب، شديد الحماس لا يحتاج توجيهاً مباشراً، إنما يستشعر التوجه من خلال الأحداث والأخبار، فينطلق لدعم جماعته عبر عمليات تفجير عشوائية إن عجز عن الوصول إلى أهداف محورية، ويسعى إلى إسقاط أكبر عدد من الضحايا، كما حدث في فرنسا ولبنان والسويد وبلجيكا، وصولاً إلى تغطية إعلامية واسعة تمنح الجماعة الأصل قوة غير مباشرة وتضفي عليها سطوة الرعب والخوف، على رغم أن هذه النوعية كانت حلم «القاعدة» إلا أن وجودها الفعلي جاء من «داعش»، فالتنظيم غير متشدد في استقبال من يريد اللحاق به من دون تردد، لأنه يحكم فعلياً منطقة واضحة ويسيطر عليها، ولا يعيش مثل التنظيمات الأخرى في اختفاء وهروب دائمين، فلا يخشى من أي قادم وإن كان جاسوساً، وهو ما رفع عدد المنضمين وجنسياتهم إلى درجة يصعب حصرها، كثير من أعضائه تكون علاقتهم بالتنظيم من خلال رحلات متعددة بسبب سهولة الدخول والخروج، ما يرشح أن عدد الموجودين في البلدان منهم أكثر من المتواجدين ميدانياً مع التنظيم، وهؤلاء هم الكوادر التي ستشن هجمات متوالية في أماكنها وترهق الأمن والشرطة وتولد الرعب والرهبة بين الناس، هذه المجموعات يستحيل رصدها، فهي لا تخضع لسلسلة أوامر وترتيبات، بل يكون الفعل أحياناً مجرد غضب مباشر بسبب حدث ما، ليعد الذئب المنفرد قنبلته ويرتدي حزامه ثم يفجر نفسه في أقرب نقطة يستطيع الوصول إليها. ما حدث حتى الآن مجرد بدايات لحقبة مظلمة جديدة تستهدف الناس أينما كانوا وفي كل تجمعاتهم، لا تعرف حدوداً ولا غاية سوى الولع بالوهج الإعلامي ومساندة الزملاء. الذئاب المنفردة أفراد عاديون يتحركون بمرونة ويسر، ولا يستطيع أحد مراقبتهم، فلا اتصالات لهم ولا تجمعات، إنما هو مجرم يجلس إلى نفسه، ثم يرسم خطة سهلة، لأن هدفها لا يخضع إلى حراسة أو تحصين. عام 2015 لا تصنع أمنه الحكومات، بل الناس، من جيران وزملاء وأصدقاء، الذين يشكلون جهاز الأمن العالمي الجديد، شريطة ألا يتحول الأمر إلى مكارثية جديدة وإرهاب مضاد يستهدف حريات الأفراد وخصوصياتهم، إنه عام الجنون والموت العشوائي والخوف من الشارع.
مشاركة :