قال مختصون نفطيون إن استمرار تباطؤ الاقتصاد العالمي لا يزال يلقي بظلاله على السوق النفطية، ويؤجل ارتفاع الأسعار التي هوت قرابة 60 في المائة منذ حزيران (يونيو) الماضي بعد أكثر من خمس سنوات تمتع فيها المنتجون بالأسعار المرتفعة والمستقرة. وأشار المختصون إلى أن كثيرا من العوامل قد تداخلت معا لتقود إلى الوضع الحالي لسوق النفط موضحين أن التراجع الشديد لأسعار النفط في الأشهر الستة الماضية يرجع في الأساس إلى ضعف النمو في منطقة اليورو وتباطؤه في الصين والبرازيل وذلك على الرغم من التعافي القوي للاقتصاد الأمريكي أكبر اقتصاد عالمي الذي استفاد بشكل كبير من هبوط سعر الخام الذي قلّص فاتورة الطاقة على المستهلكين الأمريكيين، ما دعم إنفاقهم الذي يعد المحرك الأول لاقتصاد الولايات المتحدة. وبحسب المختصين فإن الفجوة بين العرض والطلب أسهمت في استمرار الأزمة فضلا عن قوة العملة الأمريكية الدولار وتأثير نشاط المضاربين في الأسواق إلى جانب عوامل أخرى اتفق عليها المراقبون للسوق ومنها وفرة المعروض في أسواق النفط، لاسيما من خارج الدول المصدرة للنفط (أوبك)، وتحديدا ما يسمى بطفرة النفط الصخري في الولايات المتحدة. ويترقب العاملون في السوق صدور تقرير أممي عن التوقّعات الاقتصادية العالمية لعام 2015 حيث يتضمن فرص النمو الاقتصادي في كثير من بلدان غرب آسيا خلال العامين المقبلين وتداعيات انخفاض أسعار النفط والنزاعات المستمرة في المنطقة على الأسواق. وأوضحت لـ"الاقتصادية" ين بيتش المحللة الفيتنامية، أن حالة الاقتصاد العالمي ليست جيدة بشكل عام بسبب اتساع الفجوة بين العرض والطلب على النفط حيث توجد حالة تخمة في المعروض وتنافس شديد على الأسواق الآسيوية الرئيسية بينما لا يزال الطلب ينمو ببطء بسبب الانكماش الاقتصادي وصعوبات النمو في الدول الغربية. وأشارت بيتش إلى أن الأوساط الاقتصادية تترقب صدور تقرير أممي عن الحالة والتوقّعات الاقتصادية العالمية لعام 2015 ، الذي سيناقش موضوع التجارة الدولية والمالية الدولية من أجل التنمية المستدامة، فضلاً عن التوقعات والتطورات الإقليمية وهو التقرير الذي تعده إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية في الأمم المتحدة، ومؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية "الأونكتاد"، واللجان الإقليمية الخمس التابعة للأمم المحتدة ومنظمة السياحة العالمية. وتعتقد بيتش أن التقرير في حال تضمن مؤشرات إيجابية عن النمو خاصة في آسيا فإنه يمكن أن يدفع الطلب على النفط وينشطه ويسهم نوعا ما في تحسين مستوى الأسعار إلى جانب عوامل أخرى يمكن أن تسهم في الحد من الانهيارات السعرية ومنها تقلص الإنتاج من النفط الصخري الذي أصبح إنتاجه مكلفا وغير مجد اقتصاديا. من جانبه قال المهندس مضر الخوجة الأمين العام للغرفة العربية النمساوية، إن دول الاستهلاك تتمتع بوفورات واسعة ناتجة عن انخفاض فواتير الطاقة وهذا الوضع مرشح للاستمرار لسنوات ويدعمه رغبة "أوبك" في الحفاظ على الحصص السوقية دون أن تضع في اعتبارها سعرا محددا ومهما تراجعت الأسعار، لافتاً إلى تقرير لصندوق النقد الدولي يؤكد أن وفرة الإمدادات أسهمت بنسبة 60 في المائة من الانخفاض المطرد للأسعار. وأشار الخوجة إلى أن بعض الدول العربية لجأت إلى تخفيض إنفاقها ومراجعة تعاقداتها في ضوء الظروف الجديدة للسوق فقد أعلنت هيئة البترول المصرية أن قيمة التعاقد المبرم مع شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك) انخفضت نحو 30 في المائة بسبب هبوط أسعار النفط العالمية. وأوضح أن هيئة البترول المصرية كانت قد أبرمت اتفاقا مع أدنوك لإمداد مصر بشحنات من المواد البترولية لمدة عام اعتبارا من أيلول (سبتمبر) الماضي مشيرا إلى أن عديدا من الاتفاقات في قطاع النفط تأثرت بشكل كبير بالانخفاض إلى جانب الاستثمارات النفطية وأسواق المال ولجأت كثير من الدول إلى تخفيض إنفاقها العام. وأشار الخوجة إلى أن الترشيد يسير بالتوازي مع التحركات السياسية حيث تابعنا الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو يقوم بجولة خارجية طويلة استمرت لـ12 يوما زار خلالها عديدا من الدول المصدرة للنفط لبحث سبل إعادة الاستقرار إلى أسواقه. وذكر الخوجة أن فنزويلا أجرت اتصالات مكثفة مع كل من الصين ثم إيران والسعودية وقطر والجزائر والبرتغال وروسيا بهدف الحصول على دعم للاقتصاد الفنزويلي المتعثر وأيضا تشكيل جبهة عامة لمحاولة دعم سعر خام النفط إلى جانب محاولة إقناع الدول الأعضاء بمنظمة أوبك بضرورة خفض الإنتاج لرفع سعر النفط. وأضاف أن العلاقات بين الدول المنتجة تتطور بشكل إيجابي خاصة مع استشعار الجميع زيادة وطأة الأزمة من شهر لآخر مشيرا إلى بوادر توافق تظهر بين دول (أوبك) والدول غير الأعضاء بها من أجل الدفاع عن أسعار النفط وضمان استقراره على المستوى المتوسط. من جهته، يرى بيتر تراوبمان مختص الطاقة أن الدول التي تعتمد على إنتاج النفط الخام بشكل رئيس وأساس بدأت بالفعل التحول إلى مصادر الطاقة الأخرى سواء التقليدية أو البديلة لمواجهة تداعيات الوضع الراهن وتأثيراته السلبية الواسعة في اقتصادها. وأضاف لـ"الاقتصادية"، أن إيران على سبيل المثال وهى من أكثر الدول المتضررة من انخفاض النفط قامت بتصدير نحو عشرة مليارات متر مكعب من الغاز وهى عازمة على زيادة حصتها في السوق العالمية من 1.5 في المائة حاليا إلى 10 في المائة في المستقبل القريب وأعلنت أنها ستبدأ في الربيع المقبل تصدير نحو أربعة ملايين متر مربع من الغاز إلى العراق يوميا وهو حجم مرشح للازدياد في المستقبل. وأشار تراوبمان إلى أهمية مراجعة سياسات الإنفاق العام في الدول المنتجة حيث تواجه ليبيا صعوبات أكبر من بقية الدول لأنها تعاني بشدة انخفاض الأسعار إلى جانب تداعيات المواجهات المسلحة والاعتداءات على الحقول النفطية. وذكر تراوبمان أنه في هذا الإطار من الطبيعي أن نجد أن بنك ليبيا المركزي يقترح خفض البعثات الدبلوماسية للبلاد في الخارج وتعليق المنح الدراسية الخارجية وبعض العلاوات الحكومية لسد العجز في الموازنة الذي يقدر بنحو 19 مليار دولار. وقال خبير الطاقة إن ليبيا العضو البارز في منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك" تواجه صعوبات جمة في ظل الفوضى التي تشهدها والشلل الذي أصاب ماليتها العامة مع تقاتل فصائل مسلحة متحالفة مع حكومتين متنافستين للسيطرة على البلاد، ما جعل إنتاج النفط الليبي ينخفض إلى مستوى متدن للغاية مع امتداد القتال إلى حقول نفطية وموانئ رئيسة بما أدى إلى فقدان المورد الوحيد للموازنة.
مشاركة :