المتاجرة بالعواطف - د.موسى بن عيسى العويس

  • 1/19/2015
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

* البسطاء من الناس هم الفئة التي يمكن أن يتاجر بعواطفهم ومشاعرهم دون غيرهم، وفي الأغلب أن هذه الفئة ضحايا مآسِ عديدة، كالفقر، واليتم، والتشرد، ومحدودية التعليم، وضعف الثقافة الدينية بصورة عامة، وربما جرّ الترف، والانهزام الثقافي، والاجتماعي، والسياسي إلى شيء من ذلك، والسير وراء تلك المرتزقة بعواطف الناس، والمؤسف أن تلك المتاجرين يتخذون من الدين مطية لتحقيق المآرب، ومجتمعنا بالذات كغيره من المجتمعات الإسلامية من السهل أن يقاد من بعض العازفين على وتر الأديان دون تفكير. * ما سأتناوله قديم يتجدد، قنوات فضائية عديدة، ومنتديات كثيرة، ووسائل تواصل اجتماعي ضخمة استغلها مفسرو الأحلام، ومعبرو الرؤى شر استغلال، ولم تجد معها الأصوات التي تتعالى ضد هذه الظاهرة، فالبيئة المحتضنة للأسف أكثر تهيئة مما نتصور، أو يتصور الواعظون، أو المحذرون من تلك الظواهر، والأسباب بلا شك متعددة ومتداخلة، وعلماء النفس والاجتماع هم أكثر الناس معرفة بذلك. * لا يمكن لأي من هذه الفئات التي امتهنت تفسير الأحلام أن تنطلق في هذا الميدان إلا بحملة ترويجية لأنفسهم من خلال سمات وصفات تستطيع الإقناع بصورة تجعل البسطاء تتولد عندهم القناعة أن هذه الشخصيات تختلف عن سواها، تقوى، وفراسة، وفطنة، وذكاء، وعبقرية، وحصيلة من العلم الشرعي والنفسي، ومما يؤسف له كذلك استئجار من يروج لهم في هذا السوق، وربما كانوا ممن يظهر عليهم الورع والصلاح، وهم الأكثر قدرة على الترويج كذلك. * هذه الفئات، هم دائما وأبدا، مع الحدث، مع القضية، مع المناسبة، مع الظرف الشخصي للإنسان. في الربيع العربي، كم كم من الممالك والأنظمة أسقطوها؟ وكم من الأحلام الزائفة بنوها للآخرين، في شمال إفريقيا، في جنوبها، في الشام، في العراق، في كل قطر يذكر، أولا يذكر فيه اسم الله إلا ولهم وافر العلم والمعرفة في كل ما يجري، أو سيجري!! حتى إذا استنزفوا الجيوب والعواطف من تلك القضايا ولجوا إلى قضايا أخرى خصبة المرتع، حديثة التناول، فكم تعلقت بهم جماهير الرياضة، وبنوا على رؤاهم تحليلاتهم ونقدهم، وراهنوا على مستقبل أنديتهم. وكم تسابق المتاجرون بسوق الأسهم إلى متابعة تلك القنوات، عينً على المؤشر، وأخرى على المفسر، يمكن القول: إن المجال الوحيد الذي لم يستطيعوا اختراقه بسهولة هو السوق العقاري، لأن المحتكرين له قلة، وهم إلا القليل منهم بلغوا من الكبر عتيا، ومن الثقة بالنفس وبالمجال على صورة يصعب اقتحامها من تلك الفئات المرتزقة. * أخطر من تلك الفئة، وممن يعدون امتداداً لبعضهم في المتاجرة بالعواطف، هم السحرة والمشعوذون، والدجالون، إذ يلتقون جميعا بالأهداف والغايات، وربما في وسائل الترويج، فالجشع، والرغبة في الثراء، ومحاولة الإيقاع بين الأسر، وزعزعة المجتمع جميعها نقاط التقاء بينهم. * بين فترة وأخرى يلامس المسامع قضايا عديدة لمشكلات اجتماعية كبيرة منشؤها أحيانا من أولئك الذين استغلوا عواطف المجتمع، وهمومه، وقضاياه، وآماله، وأحلامه، وأيسر ما يقال عن تلك المهن أنها جزء من النبوة، يؤتيها من يشاء من عباده، بل صفوتهم. * كم يتساءل الإنسان عن مدى انتشار مثل تلك الفئات في المجتمعات الحضارية المتقدمة؟ هل بالفعل تعيش ضمن نسيجها، وتجد لأساطيرهم، وتنبؤاتهم ذلك الرواج؟ هل كانت موجودة ثم انقرضت أمام الثورة العلمية؟ كيف استطاعوا أن يقضوا عليها إن كانت موجودة في موروثاتهم الدينية والشعبية؟ أسئلة قد أستطيع الوقوف على بعض إجاباتها في مقال آخر.

مشاركة :