يُخطئ العديد من الآباء والأمهات كثيراً عندما يستخدمون أسلوب التخويف من المجهول بحق أطفالهم مثل «جاك الحرامي»، أو «عافية الله» -شخصية وهمية في أسفل القليب أو طائر ينزل من السماء-، وذلك اعتقاداً منهم أنَّ هذا الأسلوب هو الطريقة المثلى لحمايتهم وجعلهم أكثر حذراً من الوقوع في بعض الأخطاء في الحاضر والمُستقبل، وغالباً ما يعمد الوالدان هنا إلى تخويف الطفل من الأماكن العالية أو المباني المهجورة أو الجلوس وحيداً في الظلام عبر سرد العديد من القصص الخياليَّة التي ليس لها وجود على أرض الواقع، ومع أنَّ الخوف يُعدُّ إحدى الغرائز التي جعلها الله -سبحانه وتعالى- في نفس كل بشر لتحميه وتقيه من الأخطار، إلاَّ أنَّه يبقى سلاحاً ذا حدين، فهو عندما يظل في معدله وصورته الطبيعية سيؤدِّي إلى حفظ الفرد وحمايته من العديد من المخاطر، أمَّا إذا زاد عن حده وتحول إلى «خوف مرضي» فإنَّه سيتحول إلى عقبة ومانع يُعيق حرية الفرد، مِمَّا يؤدي لنقص قدراته على مواجهة الحياة مستقبلاً. حماية الطفل في البداية قالت «مها المشعل» -ربَّة منزل-: «نحن لا نتعمَّد تخويف الطفل بالمعنى المعروف وزرع ذلك فيه منذ الصغر، وإنَّما يحدث ذلك لخوفنا عليه من أي أمر قد يرتكبه»، مُضيفةً أنَّها تهدِّد ابنها الصغير أحياناً بتركه وحيداً في الظلام أو سرد بعض القصص الوهميَّة، مُوضحةً أنَّها تهدف من وراء ذلك إلى حمايته وجعله قريباً منها لا يُفارقها ولو للحظة، مُشيرةً إلى أنَّ مثل هذه الأساليب لن تؤثِّر عليه؛ لكونه لايزال صغيراً لا يعي كثيراً مما تقوله له. جيل «روعوني أهلي» عاش «عقدة نفسية» تركته يخاف من ظله ويهاب المواجهة وشخصيته مهزوزة وأيَّدتها في هذا الشأن «أم عبدالمجيد» -موظفة-، مُضيفةً أنَّ العديد من الأمهات يستخدمن هذا الأسلوب ويزرعن الخوف في نفوس أطفالهنَّ منذ الصغر، مُشيرةً إلى أنَّ هذا يحدث لاعتقادهنَّ أنَّ ذلك سيحميهم من بعض المخاطر مستقبلاً، لافتةً إلى أنَّها تؤيد هذا الأسلوب؛ لكونه سيحمي أطفالها في المستقبل، خاصَّةً في هذا العصر الذي أصبح معظم مافيه يشكل خطراً عليهم، وخاصَّة مع انتشار الوسائل التقنية الحديثة وتعدَّد مواقع التواصل الاجتماعي وظهور العديد من السلوكيَّات السلبيَّة التي لم تكن معروفةً في الماضي، مُؤكِّدةً على أنَّ الحذر مطلوب، بيد أنَّه يجب ألاَّ يؤثِّر بشكلٍ سلبيّ في شخصية الأبناء. خطأ فادح وذكرت «منيره العتيبي» -موظفة- أنَّها ارتكبت خطأً فادحاً مع ابنها عندما كان صغيراً في العمر وذلك عندما استخدمت معه هذا الأسلوب، مُوضحةً أنَّها كانت تهدده بالمعلِّم، وذلك كلما أخذ شيئاً من الأدوات المدرسيًَّة الخاصَّة بأُخوته، مُشيرةً إلى أنَّه حينما بلغ سن الالتحاق بالمدرسة كان يرفض الذهاب إليها ويدخل في نوبة بكاء شديد، لافتةً إلى أنَّ هذا الحال استمر عدَّة أشهر قبل أن يتمكن من التأقلم مع الوضع الجديد. وأكَّدت «سهام عبدالله» -موظفة- على أنَّ استخدام هذا الأسلوب مع الأبناء سيجعلهم أكثر حذراً من الوقوع في بعض الأخطاء في الحاضر وفي المُستقبل، كما أنَّه من الممكن أن يُجنبهم كثيراً ارتكاب العديد من الأخطاء في المستقبل، مُشيرةً إلى أنَّ بعض الآباء والأمهات قد يُخطئون عندما يُشجعون طفلهم على الخروج إلى الشارع بمفرده في الظلام، لافتةً إلى أنَّهم قد يزرعون فيه عدم المُبالاة، وبالتالي يُصبح قادراً على الخروج من البيت في أيّ وقت متى شاء، الأمر الذي قد يُعرِّضه للعديد من المخاطر، ومن ذلك حوادث الدهس. حقل تجارب ورأت «أم بندر» -معلمة- أنَّ من يدفع ثمن استخدام هذا الأسلوب الخاطئ في التربية عادة الابن الأكبر، مُرجعةً ذلك إلى أنَّ العديد من الآباء والأمهات يجعلون منه حقل تجارب، لكونه الابن الأول لهم، مُشيرةً إلى أنَّ استخدام هذا الأسلوب معه من الممكن أن يؤثر بشكل سلبي على شخصيته مستقبلاً بحيث يكون هو الحلقة الأضعف وسط بقيَّة أشقائه. سلاح ذو حدين وأوضحت «أ.د.نيرة عز السعيد عبد الفتاح» -أستاذ علم نفس الطفل المساعد بكلية التربية بجامعة الملك فيصل- أنَّ الخوف يُعدُّ إحدى الغرائز التي جعلها الله -سبحانه وتعالى- في نفس كل بشر لتحميه وتقيه من الأخطار، مُوضحةً أنَّ الخوف سلاح ذو حدين، مُشيرةً إلى أنَّه عندما يظل في معدله وصورته الطبيعية فإنَّه سيؤدِّي إلى حفظ الفرد وحمايته من العديد من المخاطر، أمَّا إذا زاد عن حده وتحول إلى «خوف مرضي» فإنَّه سيتحول إلى عقبة ومانع يُعيق حرية الفرد، مِمَّا يؤدي لنقص قدراته على مواجهة الحياة، لافتةً إلى أنَّ الخوف عبارة عن انفعال قوي غير سار ينتج عن الإحساس بوجود خطرٍ ما يُتوقَّّع حدوثه، مُبيِّنةً أنَّ العديد من العلماء كانوا يعتقدون أنَّ الطفل يُولد مزوداً بغريزة الخوف، بيد أنَّ الدراسات الحديثة تشير إلى أنَّ الخوف عند الطفل لا يبدأ قبل الشهر السادس، وتظل وتيرته ترتفع إلى أن تقل بعد سن السادسة وهي بداية مرحلة النضج العقلي للطفل. وأضافت أنَّ الطفل يولد عادةً ولديه مستوًى طبيعي من الخوف الانفعالي وهي حالة خاصة بغريزة حب الذات تتبع ردود فعله تجاه الأشياء والأحداث التي تُكوِّن عالمه، مُوضحةً أنَّ هذا الخوف يُعدُّ أمراً وارداً متكرِّر الحدوث في كل الأوقات، وهو لا يمثل أيَّ خلل في سلوكه طالما ظهر في إطاره المعقول والطبيعي، وخاصةً إذا كان هذا الخوف أحد الوسائل النفسية الدفاعية التي يستخدمها الطفل للوقاية من الأذى والحرص والحذر من الخطر. وأشارت إلى أنَّ الطفل قد يخاف من أشياء مختلفة، ومن ذلك الخوف من الموت وما يرتبط به، إلى جانب الخوف من بعض الحيوانات، والخوف من الظلام، والخوف من الغرباء، وكذلك الخوف من الأماكن المرتفعة، إضافةً إلى الخوف من بعض الأدوات كالسكاكين وغيرها، لافتةً إلى أنَّه عندما يكبر الطفل قليلاً فإنَّ هذا الخوف يبدأ بالتناقص ويتحول لديه إلى مُكوِّنات أفكار وأشياء منطقية وتنضج لديه القدرة على عدم الخلط بين الخيال والواقع، إذ أنَّه في هذه المرحلة يبدأ بفهم حقيقة الأشياء وأسباب حدوثها، وبذلك تتناقص لديه ظاهرة الخوف غير المنطقي تدريجياً تجاه ما قد يصادفه من مواقف في حياته. أخطاء شائعة وقالت «د.نيرة عبد الفتاح» إنَّ من أبرز الأخطاء الشائعة التي قد يتبعها بعض الآباء والأمهات لإلزام الطفل بالسلوك الصحيح أو ما يرون أنَّه صحيحاً استخدام أسلوب التخويف كوسيلة عقاب وردع وتأديب مؤقتة، لافتةً إلى أنَّهم ربَّما اتخذوها حجة لثنيهم عن السلوكيات السلبية أو كوسيلة لحمايتهم من الأخطار بصورة مبالغ فيها، ومن ذلك تخويف الأطفال من الجن أو طبيب الأسنان أو اللص أو الشرطي أو الكائنات المخيفة، إلى جانب تهديده بتركه في الظلام وحيداً، معتبرة ذلك أحد أنواع الحيل التي يتبعها بعض الآباء والأمهات في هذا الإطار، مُوضحةً أنَّ ذلك مِمَّا يولد لدى الطفل انطباعاً سيئا عن العالم الذي يعيش فيه ورهبة شديدة تجاه المجهول فيتأصل الخوف في داخله وربما تطور إلى حالة مرضية يصعب علاجها في المستقبل. وأضافت أنَّ العديد من علماء النفس يعتقدون أنَّ أسلوب التخويف الذي يتبعه بعض الآباء هو من أكثر العوامل تأثيراً في شخصية الطفل فيما يتعلق بالخوف المرضي، وخاصةً إذا كانت هذه المخاوف تخاطب مخيلته في سنوات طفولته المبكرة، مُشيرةً إلى أنَّه في هذه السنوات المبكرة غالباً ما يختلط لديه الخيال بالواقع فتختلط الأشياء في ذهنه ولا يعرف كيف يفسرها؛ لذلك نراه يخاف من أشياء لا تخيف بطبيعتها، مؤكِّدةً على أنَّ الحكايات الشعبية الخرافية تلعب دوراً كبيراً في تعزيز هذا الخوف، في ظل أنَّ مكونات هذه الحكايات وشخصياتها لا تمت للواقع بصلة، إلى جانب أنَّها لا تُسهم بشيء في تنمية المهارات الذهنية للطفل، إذ أنَّها تختلف عن القصص والحكايات الخيالية التي تتضمن هدفاً وعظة، لافتةً إلى أنَّ العديد من الآباء والأمهات يرتكبون مزيداً من الأخطاء حين يصرون على تجاهل مخاوف الطفل ومشاعره والاستهانة بها حتى عندما يكونون هم السبب فيها، داعيةً إلى عدم جعل مشاعر الطفل مجالاً للاستخفاف والاستغلال، ذاكرةً أنَّه متى ما حدث الخطأ من قِبل الأهل فإنَّه يتوجب عليهم معالجته بأسرع وقت ممكن عن طريق عدم كبح جماح الطفل في التعبير عن الخوف أيَّاً كانت أسبابه. وأشارت إلى أنَّ العديد من علماء النفس والتربية ينصحون بأن تتاح الفرصة الكاملة للطفل للتعرف إلى الشيء الذي يخيفه، مُشيرةً إلى أنَّه يمكن للأم في هذه الحالة التواجد مع الطفل ومشاركته فيما يخفيه والتفاهم معه بحوار مبني على الإقناع وليس الخداع، إلى جانب تدريبه على مواجهة خوفه بعد أخذ موافقته على خوض التجربة من دون تهديد، وكذلك عدم إجباره على عمل شيء لا يريده، ومن ذلك الجلوس بمفرده في الظلام، لافتةً إلى أنَّ ذلك من الممكن أن يصيبه بنوبات ذعر تؤدي لزيادة الخوف، إضافةً إلى اتباع بعض استراتيجيات التعايش التدريجي مع مصدر الخوف، مع وجوب الحديث في مواضيع شيقة كسرد حكاية جميلة أثناء النهار وقبل النوم. وشدَّدت على ضرورة تعليم الطفل بألاَّ يخجل من مخاوفه ويعبر عنها، ومحاولة إقناعه أنَّ القلق والخوف هي مشاعر طبيعية قد يتعرض لها الكبار والصغار على حدٍ سواء، وتحفيزه وتشجيعه على مواجهة مخاوفه، بتقديم حوافز ومكافآت عينية ومادية له، مع استمرار محاولاته في التغلب على مخاوفه، مُشيرةً إلى أهميَّة الاعتناء بالخيال الثري للطفل واستثماره في تعليمه وتثقيفه، لافتةً إلى أنَّ هذا لا يعني بالضرورة أن يتم الخلط بين الخرافات وبين الخيال، مُبيِّنةً أنَّ الخرافات تؤدي إلى إفساد التكوين النفسي للطفل وتقدم الحلول السحرية والتفسيرات الغامضة، أمَّا الخيال الثريّ فيوسع مداركه وينمي طاقاته وينهض بمواهبه، مُؤكِّدةً على أنَّ الخيال الأدبي والعلمي يلهمان الإنسان بالأفكار المفيدة والسعيدة والانطلاقات المشرقة، بينما تؤدي الخرافات إلى نشر مظاهر الخوف والجبن وروح التشاؤم واليأس والقلق من المستقبل المجهول.
مشاركة :