يسعى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى العبور بمصر من مرحلة الاضطراب التي عاصرتها على مدار السنوات الماضية إلى شاطئ الاستقرار، مستعينا في ذلك بما له من شعبية ومصداقية لدى المواطنين، إلى جانب انتهاج سياسة ثابتة من المصارحة والمكاشفة بكل المشكلات حتى يمكن التوصل إلى حلول عملية لها من خلال دعم المواطنين. وربما يمثل يوم 25 يناير (كانون الثاني) الذي يأتي بعد أيام، عنق زجاجة في خطوات ذلك الطريق، ليس فقط لأنه يوم أول ذكرى لعيد للثورة يحضره السيسي على رأس الدولة، وإنما لأنه يتزامن مع يوم احتفال الشرطة بعيدها أيضا، وكذلك ما يسعى له بعض أنصار جماعة الإخوان من دعوات للحشد في هذا اليوم. وتمثل تلك العلاقة الثلاثية بين «الشرطة» و«شباب الثورة» و«الإخوان» بحسب مراقبين «مربط الفرس» في محاولة المرور من مرحلة الأزمة السابقة إلى مراحل النمو على شتى المجالات السياسية والاقتصادية في مصر. حيث يرى المراقبون الذين تحدثت معهم «الشرق الأوسط» في الأيام الماضية أن الاحتفال «المزدوج» بعيد الشرطة وعيد الثورة، وإذابة ذكريات البعض عن خروج المواطنين في مثل هذا اليوم عام 2011 احتجاجا على تجاوزات منسوبة لجهاز الداخلية المصري، هو معيار أولي هام لنجاح الإدارة المصرية الجديدة. وبينما تتخذ جماعة الإخوان أقصى أطراف الصورة بالإصرار على العنف المسلح في كثير من الأحيان في مواجهة الدولة، يقف شباب الثورة في منتصف الطريق غير راضين عن أي من طرفي المعادلة بصورة كاملة. وتشير مصادر أمنية إلى تكثيف الاستعدادات لمواجهة أي خروج متوقع عن نظام الدولة، فيما تسعى الجماعة إلى حشد أنصارها، وربما بعض المتعاطفين معها، للخروج في ذكرى 25 يناير بدعوى التضييق والقمع.. فيما يرى بعض من الشباب أن الوضع بعد ثورتين قامتا على أكتافهما غير مرض بالنسبة لهم، حيث إن شريحة الشباب ما تزال «مهمشة» في الدولة الجديدة، إلى جانب وجود عدد من الموقوفين بينهم بتهم تتعلق بالتظاهر أو المطالبة ببعض مما يرونه من حقوقهم المكتسبة. لكن الرئيس السيسي، الذي أكد مرارا حرصه على استقلالية القضاء المصري، وعد أول من أمس بالنظر في حالة عدد من المحبوسين «الذين لم يتورطوا في أحداث تضر بالبلاد»، تمهيدا للإفراج عنهم، مشيرا إلى أنه سوف يبحث هذا الموقف ويتخذ قرارا بشأنه خلال الأيام المقبلة. وأوضح الرئيس في حديثه مع عدد من الإعلاميين الذين رافقوه في زيارته إلى الإمارات، أنه يبحث موقف اثنين من المحبوسين الذين صدرت ضدهما أحكام في إحدى القضايا (دون تحديد لشخصيتيهما)، وأنه سيحدد الموقف في ضوء مراجعة مواقف المحبوسين الآخرين. وعلى صعيد ذي صلة، أكد السيسي أنه يريد أن يعين محافظين من «الشباب»، موضحا أنه يبحث عن محافظين منذ 4 أشهر بحيث تتوفر فيهم النزاهة والكفاءة، وأن «90 في المائة من الذين عرض عليهم منصب المحافظ اعتذروا»، مفسرا ذلك بقوله: «هناك من لا يريد أن يتحمل المسؤولية بسبب حملات النقد».. مطالبا الإعلام بالحرص في النقد وعدم تحميل المسؤولين مشاكل تراكمات لسنوات عديدة سابقة. وتشير تلك التصريحات بحسب المراقبين إلى أن الرئيس المصري يعرف ويقدر حجم «إحباطات الشباب»، وأنه يسعى بجدية لوضعهم على طريق الدولة، وهو ما يظهر جليا في قرارات خلال الشهور الماضية بتعيين شباب في مناصب مساعدين لعدد من الوزراء، كما يظهر في حرص الرئيس على اصطحاب عدد من الإعلاميين الشباب في جولاته الخارجية خلال الفترة الماضية. أما عن إذابة ترسبات ثورة يناير، فإن الرئيس المصري يؤكد دوما أن هناك «شهداء» بين المواطنين كما أن هناك «شهداء» من بين رجال الشرطة، لكنه لا يتوانى عن الاعتراف بوجود سلبيات في أجهزة الدولة ومن بينها الداخلية، قائلا إن «مصر تمر بظروف استثنائية تسببت في وقوع بعض التجاوزات التي نرفضها»، مشددا على حرصه على حماية حقوق الإنسان أكثر من أي شخص آخر. ودعا السيسي أمس خلال الاحتفال بعيد الشرطة إلى الحفاظ على المناخ الديمقراطي الآمن الذي يكفل جميع حقوق المواطنة، مع قيام المواطن بواجباته تجاه وطنه ومجتمعه، مضيفا «إننا في مصر 90 مليون نسمة لا يوقفون حياتهم إذا قامت مظاهرة؛ ولكنهم يريدون العيش والاطمئنان إلى الغد». وبالأمس، كرم الرئيس 41 من أسر رجال الشرطة الذين استشهدوا أثناء أداء واجبهم الوطني خلال عام 2014. وأكد في كلمته أن رجال الشرطة ضحوا بأرواحهم لكي تصبح مصر واحة للخير والاستقرار، مشيرا إلى أن مصر حذرت العالم من الإرهاب وكانت في طليعة من حاصر منابعه، ولافتا إلى أن مصر تدفع ثمن استقرار المنطقة ودول العالم وستنتصر على الإرهاب.
مشاركة :