يعقد مجلس إدارة المصرف المركزي الأوروبي اجتماعاً حاسماً قبل ظهر اليوم في فرانكفورت، لمناقشة مشروع رئيسه ماريو دراغي القاضي بشراء سندات الدول المتعثرة في منطقة اليورو أو التي يمكن أن تتعثر لاحقاً في خضم الأزمة المالية المستمرة، والتي لا تزال تعيق النمو في أوروبا منذ أواخر عام 2008. وعلى رغم معارضة بعض الدول الأعضاء مشروع رئيس البنك بحجة تنافيه مع مهمة «المركزي» الأساسية القاضية بالحفاظ على استقرار الأسعار والعملة الأوروبية الموحدة، يُنتظر إقرار غالبية أعضاء مجلس الإدارة، المكونين من رؤساء المصارف المركزية في دول منطقة اليورو، المشروع على أن يبدأ تطبيقه سريعاً. وفي واقع الأمر خسرت ألمانيا وحلفاؤها المعركة التي خاضوها في الفترة الماضية ضد نية دراغي شراء سندات حكومية. كما تراجع هؤلاء عن تهديداتهم أيضاً بإخراج اليونان من منطقة اليورو في حال تشكلت حكومة جديدة فيها بقيادة الحزب اليساري «سيريزا»، ما يُتوقع حدوثه في الانتخابات المبكرة في 25 الجاري. وأحدث التهديد بطرد اليونان تداعيات سريعة على البورصات الأوروبية أخافت الجميع وهبطت بمؤشر الأسهم الألمانية «داكس» إلى مستويات متدنية لأيام. وبدت خسارة الرافضين لمشروع دراغي واضحة أكثر عقب إصدار النائب العام للمحكمة الأوروبية العليا، بدرو كروز فيلالون، بياناً أخيراً رد فيه على اعتراضات البعض على هذه الخطوة والقول بأنها تخالف الصلاحيات المعطاة للبنك المركزي الأوروبي. وأضاف أن «لا شيء يمنع البنك من حيث المبدأ من شراء السندات الحكومية للدول المتعثرة»، مشيراً إلى أن «الخطوة هذه مشروعة»، ومذكراً بقرار في هذا الصدد صادر عن مجلس إدارة المصرف في أيلول (سبتمبر) 2012. ويُعتبر رأي النائب العام الذي سيُرفع كتوصية إلى أعضاء مجلس إدارة «المركزي»، حاسماً عادةً لاتخاذ القرارات، لذا يتوقع الجميع صدور قرار في جلسة اليوم يفتح الطريق أمام رئيس البنك الأوروبي لتنفيذ مشروعه. وإثر تصريح النائب العام، انتعشت بقوة مؤشرات أسهم البورصات الأوروبية وأقفل «داكس» في 16 الشهر الجاري على رقم قياسي جديد بلغ 10167 نقطة بعد وصوله إلى 10207 نقاط، وواصل ارتفاعه أمس إلى 10257 نقطة. ويتوقع المراقبون ارتفاعه أكثر بعد جلسة الخميس، أو هبوطه بقوة من جديد في حال فشل الجلسة في اتخاذ قرار. وطوي التهديد بإعادة اليونان إلى عملة الدراخما أمام تخوّف الكثيرين من تداعيات ذلك على دول منطقة اليورو. وحضّ مسؤولون كثر، مثل رئيس البرلمان الأوروبي مارتين شولتس، الجميع على العمل على إيجاد حلول مشتركة لمنع إفلاس اليونان وإعطائها فترة أطول لتسديد ديونها، إلى جانب إلغاء قسم مهم منها أيضاً. وسبق لدراغي أن أكد أكثر من مرة أنه لن يدع أي بلد أوروبي متعثر يتعرض للإفلاس، وأنه سيستخدم كل الوسائل المالية المتاحة له لإنقاذه، بما في ذلك شراء سندات الدول المتعثرة. ونقلت النشرة الاقتصادية الشهرية الصادرة عن غرفة التجارة والصناعة العربية - الألمانية في برلين عن خبراء كثر، تأكيدهم أن أي إفلاس يحصل في منطقة اليورو سيعرض كل دولها إلى ما يشبه انهيار أحجار الدومينو، وليس كما ذكر بعض الخبراء والسياسيين الألمان عن وجود قدرة على امتصاص إفلاس اليونان. ويرى رئيس البنك المركزي الأوروبي نفسه محاطاً بأوضاع معقدة، فإلى جانب مكافحة أزمة اليورو المستمرة وخطر إفلاس بعض الدول، عليه أيضاً مواجهة أخطار أزمة تراجع الأسعار المستمرة منذ أكثر من سنة تقريباً، وبالتالي تراجع معدل التضخم في منطقة اليورو أواخر السنة الماضية إلى أقل من الصفر بقليل، حيث بلغ 0.2 في ألمانيا، وهو أدنى مستوياته منذ العام 2009، خصوصاً إذا أخذنا في الاعتبار أن مهمة البنك المركزي هي الحفاظ على معدل تضخم مستقر أقلّ قليلاً من 2 في المئة. ومثال اليابان المصابة بدورها بتراجع الأسعار فيها واضح، ما يضغط سلباً على النمو فيها ويكبل اقتصادها منذ بضع سنوات. ويعود السبب الرئيس للتدهور المستمر في الأسعار ومعدلات التضخم في منطقة اليورو، إلى هبوط سعر النفط في العالم من أكثر من 100 دولار للبرميل إلى أقل من 50 دولاراً مطلع السنة الجديدة. ويخشى «المركزي» من أن يسبب انهيار الأسعار انخفاضاً في الأجور وفي استثمارات الشركات، ما سيؤدي إلى شلل الاقتصاد، وبالتالي إلى خنق تباشير التحسن التي ظهرت أخيراً في عدد من الدول المتعثرة. وأفادت مصادره بأن بروز مثل هذا الخطر سيدفعه إلى المواجهة بشراء سندات حكومية.
مشاركة :