ما زال المسلحون الحوثيون منتشرين في كل انحاء صنعاء أمس، على رغم التزامهم بالانسحاب من القطاعات الرئيسية مقابل تنازلات سياسية من جانب الرئيس عبد ربه منصور هادي. وعلى رغم أن اتفاق الخروج من الأزمة، الذي تم التوصل إليه مساء الأربعاء، ينص على تطبيقه فوراً، ما زالت ميليشيا «أنصار الله» الشيعية تحاصر العاصمة أمس. وما زال التوتر واضحاً في عدد كبير من الأحياء، لكن المتاجر فتحت أبوابها بعد معارك بداية الأسبوع، كما ذكر مراسل وكالة «فرانس برس». وفي شمال المدينة، تظاهر مئات الأشخاص أمام جامعة صنعاء رافعين شعار «لا للانقلابات»، فيما احتشد آخرون بالقرب من مقر إقامة الرئيس هادي للتعبير عن تضامنهم معه. وكانت الميليشيا الشيعية دخلت صنعاء واستولت على القطاعات الأساسية في العاصمة وأحكم عناصرها الطوق حول الرئيس هادي بعد معارك مع قوات حكومية أسفرت عن 35 قتيلاً و94 جريحاً. ويفيد اتفاق النقاط التسع الذي أُعلن مساء الأربعاء، أن عناصر الميليشيات تعهدت بالانسحاب من القصر الرئاسي الذي اقتحموه، وكذلك من «كل المواقع التي تشرف على مقر إقامة الرئيس». ووعد الحوثيون أيضاً بالانسحاب من منطقة سكن رئيس الوزراء خالد بحاح في وسط المدينة، وبالإفراج عن مدير مكتب الرئيس أحمد عوض بن مبارك الذي اختطفوه منذ نحو أسبوع. وأكد مسؤولٌ في الرئاسة لـ «فرانس برس» أن بن مبارك «لم يُفرج عنه بعد». وفي مقابل هذه الالتزامات، قدم الرئيس اليمني تنازلات مهمة، يرى البعض أن الرئيس قدمها «تحت التهديد». وسيكون ممكناً «إدخال تعديلات» على مشروع الدستور الذي كان ينص حتى الآن على صيغة فيديرالية تتضمن ستة أقاليم يرفضها الحوثيون. كذلك بات يحق للحوثيين والحراك الجنوبي والفصائل السياسية الأخرى «المحرومة من تمثيل عادل في مؤسسات الدولة تعيينهم في هذه المؤسسات». واعتبرت الولايات المتحدة، حليفة صنعاء، أن الرئيس اليمني أُرغم على الموافقة على «معظم مطالب» الحوثيين. وقال وزير الخارجية الأميركي جون كيري إن عناصر الميليشيات يعتبرون عبد ربه منصور هادي رئيساً لليمن. وتعتبر واشنطن حكومة صنعاء حليفاً استراتيجياً في التصدي لتنظيم «القاعدة». وتقدم لها الولايات المتحدة مساعدة عسكرية وتستخدم طائرات من دون طيار لتوجيه ضربات إلى مسؤولي «القاعدة». وذكر مندوب للأمم المتحدة أن الهيئة الدولية لم تشارك في المفاوضات التي أفضت إلى اتفاق بين الرئيس اليمني والحوثيين. وقدم الرئيس اليمني تنازلات، فيما كانت البلدان العربية الخليجية الست المجاورة تعلن عن دعمه الأكيد وتنتقد «انقلاب» الحوثيين. وكانت هذه البلدان تولت مع الأمم المتحدة وبلدان غربية رعاية الاتفاق السياسي الذي أتاح في 2012 تنحي الرئيس السابق علي عبدالله صالح وتسلم عبد ربه منصور هادي مقاليد الحكم، في إطار انتقال سياسي سلمي في اليمن. وفي مناخ الأزمة الشاملة، يمكن أن تؤدي بؤرة توتر أخرى إلى موجة جديدة من أعمال العنف، إذ قُتل أمس مسلحان ينتميان إلى القبائل السنية في محافظة مأرب شرق صنعاء في كمين نصبته عناصر ميليشيات شيعية، وفق ما ذكر مصدر قبلي، مشيراً إلى سقوط عدد غير محدد من القتلى بين الحوثيين. وكان زعيم الميليشيا الشيعية عبد الملك الحوثي، هدد في الرابع من كانون الثاني (يناير) بالاستيلاء على هذه المحافظة الغنية بالنفط والغاز الطبيعي، والتي يطمع بها أنصاره منذ سيطرتهم على العاصمة في أيلول (سبتمبر)، لكن القبائل السنية في هذه المنطقة، التي ينتشر فيها تنظيم «القاعدة»، تؤكد باستمرار أنها ستتصدى لهم بالقوة. كما أرسلت قبائل سنية في مناطق أخرى من اليمن تعزيزات إلى مأرب التي طُرح وضعها الأمني في الاتفاق المعقود مساء الأربعاء والذي ينص على تدابير أمنية لخفض حدة التوتر فيها.
مشاركة :