التقى البيت الأبيض مع المعارضة الإسرائيلية في توجيه الانتقاد الشديد إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو على خلفية الدعوة التي تلقاها من الحزب الجمهوري الأميركي لإلقاء كلمة في الثالث من آذار (مارس) المقبل، أي قبل الانتخابات العامة الإسرائيلية بأسبوعين، أمام مجلسي النواب والشيوخ من دون إبلاغ البيت الأبيض بذلك، كما تقضي أصول البروتوكول. وبينما اعتبرتها أوساط البيت الأبيض تدخلاً من نتانياهو إلى جانب الجمهوريين الذين يريدون تشديد العقوبات على إيران خلافاً لموقف الرئيس باراك أوباما المؤيد لمواصلة الاتصالات الديبلوماسية مع طهران، اعتبرتها المعارضة الإسرائيلية تدخلاً من الجمهوريين لدعم فرص نتانياهو للفوز في الانتخابات العامة. وأوجز معلق إسرائيلي بارز «الصدام» بين نتانياهو والبيت الأبيض بالقول إن دعوة نتانياهو لإلقاء كلمة أمام الكونغرس هو بمثابة «عملية تفجيرية سياسية ضد منافسيه في الانتخابات، سواء معسكر الوسط أو اليمين الأكثر تطرفاً، وعملية تفجيرية سياسية ضد جهود البيت الأبيض للتوصل إلى اتفاق تاريخي مع إيران حول مشروعها النووي». ولم يخفِ وزير الخارجية الأميركي جون كيري أسفه لعلمه بزيارة نتانياهو للكونغرس «بطريقة غير معهودة في البروتوكول». وقال إنه «من غير المألوف» أن يعلم بأن نتانياهو سيتحدث الى الكونغرس «من خلال بيان للجمهوريين وليس من خلال المعني بالأمر»، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن نتانياهو يبقى «موضع ترحيب» في الولايات المتحدة، معتبراً الخلافات مع إسرائيل في هذه «المسألة تكتيكية، لكن ليس حول الهدف وهو منع إيران من بلوغ السلاح النووي». لكن الإعلام الإسرائيلي توقف عند تصريح كيري «غير المألوف ديبلوماسياً» بأنه فهِم من أعضاء في الكونغرس زاروا إسرائيل الأسبوع الماضي والتقوا قادة أذرعها المخابراتية (في إشارة إلى رئيس الموساد تمير بدرو) بأنه يعارض تشديد العقوبات على إيران لاعتقاده بأن الأمر سيتسبب في تفجير المفاوضات. ولاحقاً نفى بدرو أن يكون موقف كهذا بدر عنه. وقال المعلق السياسي في الإذاعة العامة إن كيري «رد الصاع صاعين» لنتانياهو على مسعاه لنسف العملية الديبلوماسية التي يقودها الرئيس أوباما حيال إيران، حين كشف أن رئيس «موساد» لا يتفق مع رئيس حكومته في الملف الإيراني، إنما مع موقف الرئيس الأميركي. وتابع أن ثمة شعوراً في البيت الأبيض بأن نتانياهو قبل على نفسه أن يكون أداة بيد الجمهوريين لمناكفة الرئيس أوباما. وقال المتحدث باسم الرئيس الأميركي جوش إيرنست في بيان: «لم نسمع من الإسرائيليين مباشرة أي شيء بشأن هذه الزيارة»، مشيراً إلى أن «البروتوكول المعتاد هو أن يتصل أي زعيم دولة بزعيم الدولة الأخرى عندما يريد زيارتها. لذلك فإن هذا الحدث يبدو خروجاً عن البروتوكول». وتابع أن البيت الأبيض لن يتحدث عن أي لقاء محتمل بين الرئيس أوباما ونتانياهو في الوقت الحالي، قبل أن يطلع على خطة سير زيارة نتانياهو ورسالته. وأكدت مصادر رفيعة المستوى أن السفير الإسرائيلي في واشنطن الذي شغل في الماضي منصب المستشار السياسي لنتانياهو، جون دريمر، هو «الذي هيّأ الطبخة» أي أعد للدعوة التي وجهها رئيس مجلس النواب الأميركي الجمهوري جون باينر إلى نتانياهو لإلقاء خطاب «ليتحدث أمام الكونغرس عن التهديدات الخطيرة التي يمثلها الإسلام المتشدد وإيران على أمننا وأسلوب حياتنا»، كما جاء في بيان باينر. واتفق المنتقدون على أن الدعوة تحمل في طياتها تحدياً كبيراً من جانب نتانياهو للبيت الأبيض. وفيما اعتبرتها أوساط الإدارة الأميركية تدخلاً خارجياً في أوج نقاش أميركي داخلي حول الملف النووي الإيراني بين النواب الجمهوريين الذين يسعون لتشريع قانون بتصعيد العقوبات على إيران، والرئيس الأميركي المتمسك، كما أوضح في خطابه الأخير، بالجهود الديبلوماسية، ملوحاً بأنه سيستخدم «الفيتو» لمنع مثل هذا القانون، اعتبرها قادة أحزاب المعارضة في إسرائيل تدخلاً من الجمهوريين في المعركة الانتخابية في إسرائيل وإعلاناً صريحاً لدعمهم نتانياهو. وحمل معلقون كبار على ما وصفوه «الصفقة بين الجمهوريين ونتانياهو». وكتب ناحوم بارنياع في «يديعوت أحرونوت» ان مثل هذه الصفقة لم تحصل من قبل «وتقضي بتدخل الحزب الجمهوري في الانتخابات هنا، وفي المقابل يتدخل حزب إسرائيلي في السياسة الأميركية الداخلية. إنهم (الجمهوريون) يساعدون نتانياهو ليهزم منافسيه في الانتخابات فيما يساعدهم هو في إذلال خصمهم هناك». واستذكر مراقبون تدخل نتانياهو «شبه العلني» في الانتخابات الرئاسية الأخيرة حين وقف إلى جانب المرشح الجمهوري ميت رومني ضد الرئيس أوباما «ما عزز التوتر بين الرئيس ونتانياهو». ونقل معلق «هآرتس» باراك دافيد عن أوساط أميركية أن البيت الأبيض أصدر الشهر الماضي تعليمات داخلية واضحة لجميع الموظفين في الخارجية بالامتناع عن القيام بأي خطوة أو تصريح مباشر أو تلميحاً يمكن تفسيره على أنه تدخل في الانتخابات الإسرائيلية ضد نتانياهو، «واليوم يأتي نتانياهو ويقحم أنفه في مسألة موضع خلاف بين الإدارة الأميركية والجمهوريين». واعتبر الدعوة التي وجهها باينر «تسديد ديْن سياسي وردّ جميل لنتانياهو الذي دعم مرشحهم للرئاسة واستقبله استقبال الملوك في القدس، من خلال التدخل إلى جانبه في الانتخابات الوشيكة ومنحه منصة محترمة ليلقي خطاباً ثالثاً أمام المجلسين». وأضاف أن الجمهوريين يعتبرون نتانياهو «لحماً من لحمهم، محافظاً ابن محافظ، بل سيناتوراً أميركياً في القدس». وزاد أن دعوة نتانياهو تعتبر فرصة له لتعزيز أجندته السياسية الأمنية التي يحاول بناء حملته الانتخابية حولها، ما من شأنه تعزيز مكانته كزعيم لليمين في مواجهة زعيم البيت اليهودي نفتالي بينيت».
مشاركة :