لم ينتظر الرئيس رجب طيب أردوغان نتائج الانتخابات البرلمانية المقررة في حزيران (يونيو) المقبل كي يشرع دستورياً في الانتقال من النظام البرلماني إلى الرئاسي، فالرجل الذي جاء إلى الرئاسة بتصويت مباشر من الشعب للمرة الأولى في تاريخ تركيا، يعتقد ان من حقه التدخل في كل صغيرة وكبيرة حتى لو كان الموكل برئاسة الحكومة هو طفله المدلل أحمد داود أوغلو. وقصره الجديد الذي سماه «الأبيض» لا يمكن ان يكون مجرد رمز شرفي لتركيا في المرحلة المقبلة، إذ ان كل شيء من حوله يوحي بأن أجندته لن تكتمل الا بصلاحيات قوية تتوجه سلطاناً في عام 2023 أي في الذكرى المئوية الأولى لتأسيس الجمهورية التركية، وثمة من يرى ان كل المؤشرات تشير إلى ان هذا التاريخ سيكون تاريخ الإعلان عن الدولة العثمانية الثانية بعد ان أعاد أردوغان التعليم باللغة العثمانية إلى المدارس وكلف لجنة برلمانية اعتماد شعار جديد للجمهورية هو شعار الخلافة العثمانية المعروف بالطغراء، حيث تبدو تركيا أردوغان وكأنها في سباق مع نفسها لاستعادة مجدها العثماني. في تبرير الانتقال إلى النظام الرئاسي، يسوق أردوغان وأنصاره جملة من الأسباب الموجبة، تتعلق بإنهاء الخلل القائم في العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، وتفعيل الأداء الحكومي والتخلّّّّّّّّّّّّّّّّص من البيروقراطية وإيجاد نظام أكثر استقراراً وقوة في البلاد، وعليه دعا أردوغان في التاسع عشر من الشهر الجاري الحكومة إلى الاجتماع برئاسته في قصره الجديد، ليسجل بذلك سابقة منذ تسلم حزب العدالة والتنمية السلطة عام 2002، إذ لم يقدم الرئيس السابق ورفيق دربه السابق عبدالله غل على هذه الخطوة عندما كان رئيساً للجمهورية وأردوغان رئيسا للوزراء. في الواقع، خطوة ترؤس أردوغان لاجتماع الحكومة لم تكن خطوة وحيدة في الاستعداد إلى تطبيق النظام الرئاسي. سبق ذلك، ان عيّن الرجل مجلساً استشارياً من 13 شخصاً مهمته الإشراف على عمل حكومة أوغلو، وعملياً ممارسة الوصاية عليها على شكل حكومة ظل، وتزامناً مع ترؤسه اجتماع الحكومة بدأ أردوغان عملية إقرار أسماء المرشحين من حزب العدالة والتنمية لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة مع ان أردوغان وفق الدستور التركي لم يعد عضواً في الحزب بعد أن آلت رئاسته إلى أحمد داود أوغلو الذي بات يجد نفسه ملزماً بمراجعة أردوغان في القيام بأي خطوة بعد ان كان منصب رئيس الحكومة في السابق له صلاحيات تنفيذية واسعة تفوق صلاحيات رئيس الجمهورية بكثير. المعارضة التركية بشقيها القومي واليساري ترفض الانتقال إلى النظام الرئاسي لأسباب كثيرة، وتخشى في العمق من أن يكون الانتقال إلى هذا النظام مدخلاً لحكم شمولي دكتاتوري، إذ ترى أن الرئيس أردوغان سيستغل هذا الانتقال ليصبح حاكماً مطلقاً بما يشكله ذلك من خطر على الديموقراطية والتعددية والحرية في البلاد. فضلاً عن هذه المخاوف، يرى الرافضون للانتقال إلى النظام الرئاسي أن بنية الحكم في تركيا من الناحية الدستورية والقانونية والإدارية والمدنية غير جاهزة للانتقال إلى النظام الرئاسي على الطريقة الأميركية أو الفرنسية كما يخطط أردوغان ويقول، وهؤلاء يرون ان الاستشهاد بالنظام الرئاسي في الولايات المتحدة كمثال للاقتداء به فيه ظلم كبير، فهناك مسار تاريخي لم يتحقق بعد، وهناك قضايا جوهرية عالقة في طبيعة الحكم في تركيا، ولاسيما في ظل عدم اعتماد الحكم المحلي في المحافظات أو الإقاليم حتى الآن، وطريقة انتخاب أو تعيين حكام هذه الإقاليم، وعلاقة الدين بالدولة، وعدم إيجاد حل للقضية الكردية ... وغيرها من القضايا الكثيرة التي لم تنجزها الدولة كمؤشر لا بد منه للانتقال إلى النظام الرئاسي، ومثل هذا النظام ينبغي أن ينطلق من الحاجة إليه وليس انطلاقاً من تطلع أردوغان إلى السلطة المطلقة وتوقه إلى تنصيبه زعيماً أوحد للبلاد في هيئة سلطان جديد. * كاتب سوري
مشاركة :