رحيل الفنان محمد بوزوبع... أيقونة «فن الملحون»

  • 1/23/2015
  • 00:00
  • 22
  • 0
  • 0
news-picture

نعت الساحة الفنية المغربية الفنان الحاج محمد بوزوبع أيقونة «فن الملحون» الذي وافته المنية في مدينة فاس عن 76 سنة بعد معاناة طويلة مع المرض. ويعتبر الراحل أحد أهم فناني الملحون في المغرب نظراً إلى مساهماته في إثراء هذا اللون الفني الأصيل وضمان استمراريته في ساحة هبت عليها رياح التغيير والتغريب من كل جانب. وساهم بوزوبع الذي ولد في فاس عام 1939، من خلال أعماله الفنية والإبداعية في تجديد فن الملحون الذي شكل عبر قرون رافداً أساسياً ومهماً ضمن الموروث الفني والموسيقي المغربي وقدمه للجمهور في توليفة فنية متجددة فسحت له مكاناً أثيراً في ذائقة أجيال عشاق الفن في المغرب قديمها وجديدها. كما يعد إلى جانب شيوخ كبار أمثال عبد الكريم كنون والحسين ابن إدريس وإدريس بنجلون وغيرهم، أحد أقطاب «فن الملحون» الذين ساهموا بأعمالهم الفنية في صيانة هذا الفن الأصيل الذي يستمد من التراث الفني المغربي الغني والمتنوع. وينتمي بوزوبع الى أسرة صوفية، تتلمذ على يد والده محمد بوزوبع الذي كان من الشيوخ الكبار في فن الملحون والتراث العيساوي وعلى يد عمه سيدي الهادي وغيره من الشيوخ الكبار قبل أن يبرع في أداء قصائد من لهذا الفن الأصيل. تشرّب الفنون التراثية من ملحون وطرب الآلة وفن عيساوة، وساهم من خلال رئاسته لجوق الملحون بإذاعة فاس الجهوية في التعريف بهذا اللون الفني وصَونه وضمان استمراريته، وكان ممن جددوا هذا الفن من خلال إبداعات شكلت إضافات نوعية سواء من حيث الأوزان أو الأداء او اللحن. واستطاع الراحل أن يؤدي مجموعة من القصائد بطريقة متفردة وبرع فيها لأنه كان يملك ناصية اللغة ويجيد التنويع في الأداء، يساعده في كل هذا صوته الصافي وتحكمه في طبقاته. وسجل نحو 170 قصيدة وأغنية من فن الملحون، من بينها «لا إله إلا الله كلمة عظيمة» و «دار الضمانة» و «صلى الله عليك أزين العمامة» و «الزاوية ما أنا ساخي بك» و «الله يا مولانا» و «مدد يا رسول الله» و «الحرم يا رسول الله» و «محمد صاحب الشفاعة»، وتنوعت مواضيعها ما بين العشق والمدح والمناسبات والأعياد الدينية والوطنية إلى جانب قصائد في مدح الرسول الكريم. ويعتبر «الملحون» من أنواع الموسيقى التي تميّز المغرب عن بقية البلدان العربية، إذ يعتبر رافداً أساسياً من روافد الذاكرة الفنية المغربية منذ أكثر من ستة قرون، ولم تنل كل هذه القرون من نضارة هذا الفن، أو تخفف وقع أنغامه الشجية في النفس وجرس كلماته المرصوصة في قصائد تشهد على عبقرية نظامها. ظهر للمرة الأولى في العهد الموحدي خلال القرن السابع الهجري ونشأ في حضن واحات المغرب الشرقي وتحديداً في تافيلالت، قبل أن ينتقل إلى «المدن السلطانية» العتيقة مثل فاس ومكناس ومراكش وسلا، ويترعرع في أوساط طبقة رعته بما يلزم من العناية والحفظ والتوثيق، فصار مع مرور الوقت المعبر الأسمى عن روح «الحرفيين» المغاربة والصناع التقليديين قبل أن يصير فناً له جمهوره وعشاقه من كل الفئات الاجتماعية ومن كل الأجيال. وعن تسميته الملحون يقول محمد الفاسي إن هذا اللفظ مشتق من التلحين أي أن الأصل في كلام الملحون أن ينظم ليتغنى به، مستدلاً بما ذكره ابن خلدون في مقدمته عندما تكلم عن الشعر باللغة العامية، حيث يقول إنهم «يلحنون فيه ألحاناً بسيطة لا على الصناعة الموسيقية» أي أنهم يجعلون له ألحانا خاصة. أما أشياخ الملحون من شعراء ومنشدين، فيرى محمد الفاسي أنهم كانوا في الغالب من عامة الشعب وليسوا من المثقفين، بل كانوا أميين، لكن لغتهم الشعرية كانت لغة أرقى من اللغة التي يتكلم بها حتى المتعلمون. وكان شعراء الملحون يدخلون في كلامهم كثيراً من الكلمات الفصيحة بعد إجرائها على الأسلوب العامي، و«من بين شعراء الملحون من لو ترجم إنتاجهم للغات حية لغدوا من أكابر شعراء الدنيا». وأثبتت بعض الأعمال الفنية الحديثة كفاءة فن الملحون وأهلية استمراره في الزمان مثل مسرحية «الحراز» ومسرحية «الدار»، وتلك القصائد التي غنتها بعض المجموعات الفنية المعاصرة، مثل «جيل جلالة» و«ناس الغيوان»، ومنها قصيدة «الشمعة» لابن علي، و«مزين أو صلوك» لعبد القادر العلمي، و«الشهدة» لمحمد بن سليمان، ونستحضر أيضاً بعض الأغاني العصرية التي تجاوزت شهرتها حدود الوطن. وكان ثلة من الباحثين أطلقوا نداءً من أجل التدخل على أعلى مستوى للحفاظ على ذاكرة الملحون وتشجيع تكوين الخلف من أجل ضمان استمرار هذا الفن، من بينهم الكاتب والباحث فؤاد جسوس الذي ترجم إلى اللغة الفرنسية نحو مئة من القصائد التي كتبها أهم شعراء الملحون، وأكد أن «فن الملحون كنز رائع ما زال للأسف مجهولاً لدى الشباب المغربي الذين يعرف جيداً هوغو وموليير ويجهل في المقابل رواد الملحون».

مشاركة :