جاء رحيل المغفور له خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ومنطقتنا العربية تمر بواحدة من أحلك المراحل في تاريخها. وقد ترجَّل الفارس الكبير بعد مسيرة طويلة من العطاء في خدمة وطنه وأمته. وقد حظي - رحمه الله - طوال توليه أمانة الحكم باحترام قادة العالم؛ لما كان يتحلى به من حكمة وبُعد نظر؛ فقد كان الملجأ الأخير الذي كان عالمنا العربي والإسلامي يلجأ إليه، ويلتف من حوله في الأزمات. وعندما استلم الراية كان - غفر الله له - يدرك عِظم المسؤولية التي تولاها في الحفاظ على منعة الوطن، وتحقيق أمنه واستقراره ورخائه. ومهما حاولنا الحديث عن الإنجازات التي تحققت في عهده فلن نستطيع أن نوفيه حقه؛ لأنه ترك بصمات ظاهره، ستظل تذكرها الأجيال القادمة. وربما يكون الإنجاز الأبرز هو ما تمتعت به السعودية في عهده من أمن واستقرار، على الرغم من كل المخاضات الخطيرة التي تشهدها الدول المجاورة. وما كان هذا الاستقرار ليتحقق لولا هذا الالتفاف الشعبي الذي كان يتمتع به؛ لذلك كانت السعودية عصية على العابثين والفاسدين وكل الذين لا يريدون لها خيراً. وقد تكسرت على أعتاب السعودية مؤامرات كثيرة، لم تستطع النَّيل من شوكتها بفضل صمود قيادتها، ورفضها المساومة على مبادئها والقداسة التي تتمتع بها. نحن نعرف أن الموت حق، لكن غياب الملك عبدالله خسارة كبيرة للأمة والوطن، وسوف نحتاج إلى وقت طويل للتغلب على شعورنا الأليم بهذا المصاب. لقد ضرب بأخلاقه المثال للكبير والصغير، وغادر دنيانا وهو نظيف اليد واللسان، وهذا ما يعترف به القاصي والداني، وترك لمن خلفه الأمانة، وأوصاهم بأن يعضّوا عليها بالنواجذ. كان فقيد الأمة يتمتع بحضور لا تُخطئه العين بين زعماء العالم، وتعززت في عهده مكانة السعودية إقليميًّا وعالميًّا، وزاره معظم قادة العالم اعترافًا بدوره ومكانته. وقد ظل يتمتع بهذا الاحترام حتى آخر يوم في حياته، وبعد إعلان وفاته نُكّست أعلام الدول الصديقة والشقيقة حدادًا عليه، وقطع قادة كثيرون برامجهم، وألغوا ارتباطاتهم؛ ليكونوا في وداعه الأخير. صحيح أن التاريخ نادرًا ما يشهد ولادة العظماء - وقد كان جلالته واحدًا منهم بلا منازع - لكن ما يعزّينا في هذا المصاب الجلل أن الراية قد أوكلت إلى من هم أهل بحملها؛ فالملك سلمان والأمير مقرن والأمير محمد - حفظهم الله - رجال يعرفون أن عليهم أن يجاهدوا كثيرًا لتظل هذه الراية مرفوعة، كما أرادها الملك الراحل عبدالله بن عبد العزيز دائمًا. د. طلال بن سليمان الحربي
مشاركة :