ظل مضمون المئات من أوراق البردي التي تحولت إلى رماد عقب ثورة بركان جبل فيزوف بإيطاليا عام 79 ميلادية في واحدة من أكبر الكوارث الطبيعية الأثرية لغزا منذئذ، إلا أن الأمر قد يتغير قريبا، فقد أعلن العلماء أنهم تمكنوا بالاستعانة بتقنيات متطورة من الأشعة السينية من فك شفرة بعض ما كتب على هذه اللفائف المحترقة التي كانت ترقد ذات يوم بمكتبة في فيلا فخمة في مدينة هركولانيوم العتيقة التي كانت تطل على خليج نابولي. وهذه المكتبة جزء مما يسمى فيلا البردي التي يعتقد أنها كانت تخص والد زوجة يوليوس قيصر. واكتشفت مكتبات أخرى عتيقة، إلا أن فيلا البردي هي الوحيدة التي لا تزال لفائفها موجودة. وأدت ثورة البركان إلى دفن مدينة هركولانيوم إلى جانب شقيقتها مدينة بومبي، وأسفر انفجار الغازات البركانية الساخنة عن احتراق هذه اللفائف لتصبح في نهاية المطاف كجذوع الأشجار المحترقة. وتم استخراج نحو 1800 من هذه اللفائف الرقيقة الهشة خلال الخمسينات من القرن الثامن عشر، وتم فك شفرة بعضها ولم يتسنَّ التعرف على مضمون معظمها. وأدت الطرق التي استخدمت على مدار الزمن لبسط هذه اللفائف أو فصل طبقاتها إلى إتلاف كثير منها. ويتشابه إلى حد كبير تركيب أوراق البردي المحترقة وحبر الفحم النباتي الأسود المستخدم في كتابتها مما يجعل من الصعوبة بمكان التعرف على الكتابة حتى باستخدام أكثر وسائل المسح الضوئي تطورا، إلا أن الباحثين استعانوا بتقنيات تشبه الأشعة المقطعية بالكومبيوتر لفك شفرة الكتابة، بينما تظل أوراق البردي ملفوفة على حالها. وقال إيمانويل برون من المؤسسة الأوروبية لإشعاع السنكروترون في جرينوبل وجامعة لودفيج ماكسميليانز في ميونيخ الذي ساعد في الإشراف على هذه الدراسة: «إنها هشة تماما، هي تقريبا قطع من الفحم». ووجد الباحثون أن اللغة المستخدمة هي الإغريقية القديمة، وأن لفائف سليمة قد تحمل نصا مكتوبا للشاعر الفيلسوف فيلوديموس الذي عاش في القرن الأول قبل الميلاد. وفي حين هذه أن الدراسة لا تهدف إلى كشف النقاب عن مضمون اللفائف بالكامل، قال فيتو موسيلا من معهد الإلكترونيات والأنظمة الدقيقة بالمجلس القومي للبحوث في نابولي إن هناك خططا للاستعانة بهذه التقنيات لفك شفرة مئات من اللفائف المتبقية. ويأمل الخبراء في أنها قد تحتوي على أعمال قديمة شهيرة مفقودة. وقال: «نشعر باهتمام بالغ بشأن هذا الاحتمال لأننا نعرف مدى قيمة دراسة الحضارتين الإغريقية واللاتينية القديمة». وقال برون إن اللفائف السليمة المستخدمة في الدراسة التي نشرت نتائجها في دورية «نيتشر كوميونيكيشنز» أهديت إلى نابليون بونابرت عام 1802.
مشاركة :