الجزائر - قالت مصادر جزائرية مطّلعة إن دوائر الظل المرتبطة بقصر المرادية تحركت في الأيام الأخيرة لإعادة ترتيب المشهد، خاصة في الحزب الحاكم، حزب جبهة التحرير الوطني، بعد استقالة مفاجئة لأمينه العام جمال ولد عباس، كاشفة عن تغييرات جديدة قد تتخذ في الفترة القادمة بينها خاصة إقالة رئيس الوزراء أحمد أويحيى وقطع الطريق أمام رغبته في الترشح للانتخابات الرئاسية المقررة العام القادم. وذكرت تقارير محلية أن قيادات سابقة وحالية في حزب جبهة التحرير الوطني تلقت دعوات من مؤسسة الرئاسة، وقد تم استقبال بعضها من طرف مسؤولين كبار خلال الأيام الأخيرة. ولم تستبعد المصادر أن يكون بحث مستقبل الحزب هو محور الدعوة، والرغبة في تفادي تداعيات الرحيل المفاجئ لجمال ولد عباس. وأضافت أن عدة شخصيات على غرار عبدالعزيز بلخادم، وعبدالمالك سلال، وعبدالمجيد تبون، وعمار سعداني، وعبدالرحمن بلعياط، وجهت لهم الدعوة لاجتماعات غير معلنة في مقر الرئاسة. لكنها لم تحدد بشكل دقيق موضوع الدعوة، ولو أنها رجحت فرضية التركيز على معالجة أزمة الحزب الحاكم. كما لم تستبعد أن تتصل اللقاءات بتوزيع أدوار جديدة، خاصة في ظل الحديث عن تغيير حكومي، يطيح برئيس الوزراء الحالي”. وأفاد مصدر قيادي سابق في جبهة التحرير الجزائرية لـ”العرب”، أن “خيار القيادة الجماعية للحزب إلى غاية انعقاد مؤتمر استثنائي بعد الانتخابات الرئاسية، صار حتمية لتفويت الفرصة على المناورات التي تستهدف الضغط والتأثير على المسؤول المؤقت معاذ بوشارب، بسبب افتقاده للتجربة اللازمة، رغم شغله لمنصب نائب برلماني لثلاث دورات متتالية، ورئاسة البرلمان بعد الإطاحة بالرئيس السابق سعيد بوحجة”. وفقد مشروع الولاية الرئاسية الخامسة للرئيس بوتفليقة، عرابه الأول، باستقالة أمين عام جبهة التحرير الوطني، وهو ما قد يسمح بسيناريوهات أخرى على غرار خوض السلطة للاستحقاق القادم برئيس الوزراء الحالي، بدلا من الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، خاصة بعد المكاسب التي حققها الرجل مؤخرا في الجبهتين الداخلية والخارجية. الرحيل المفاجئ لولد عباس الذي كان يقود أكبر حراك سياسي في البلاد يؤكد بأن الرجل يكون قد فقد البوصلة أو لم يفهم اللعبة جيدا ومع ذلك يبقى الطريق غير معبّد أمام أويحيى، في ظل الغموض الذي يكتنف المشهد، وتصاعد سيناريو إقالته من الحكومة في قادم الأيام، في إطار سلسلة تغييرات شاملة ما زالت ماهيتها مبهمة، ولم يطمئن أنصاره إلى حد الآن، بسبب عدم حظوته لدى قيادة أركان الجيش، ووجود تيار قوي مناوئ له داخل السلطة. وما زالت الانتقادات اللاذعة التي وجهها مؤخرا وزير العدل طيب لوح، لرئيسه المباشر أحمد أويحيى، في مدينة وهران بغرب البلاد، تثير أسئلة المتابعين لشؤون السلطة، فأمام حضور شعبي ووسائل الإعلام، اتهمه بتلغيم شعبية الرئيس بوتفليقة عبر تبني سلة ضرائب مستفزة للاستقرار الاجتماعي، وبتوظيف القضاء في مطلع التسعينات لتصفية حسابات سياسية، في إطار ما عرف حينها بـ “حملة الأيادي النظيفة”. واعتبر التصريح بمثابة رسالة سياسية تلمح إلى تحرك جناح داخل السلطة يمثله طيب لوح، من أجل قطع الطريق على طموحات أويحيى لخلافة بوتفليقة. وتبقى التعليمات المجهولة هي الدائرة الحاسمة في القرار الجزائري في الآونة الأخيرة، في ظل غياب دور المؤسسات الرسمية، وهيمنة ما أسماه أويحيى بـ”سياسة الأمر الواقع″، فالذي أقال ولد عباس، عبر اتصال في منتصف ليل الأربعاء الماضي، فعلها قبل ذلك مع الكتل النيابية التي أطاحت برئيس البرلمان سعيد بوحجة، ويمكن أن يكرر الاتصال بالسلب أو الإيجاب مع أي من رموز النظام، سواء كان أويحيى أو غيره. وأكد الرحيل المفاجئ لولد عباس، الذي طلب من الصحافيين عدم الكلام معه مجددا عن السياسة، وهو الذي كان يقود أكبر حراك سياسي في البلاد، بأن الرجل يكون قد فقد البوصلة أو لم يفهم اللعبة جيدا، لما رمى بثقله في دعم أجندة أحمد أويحيى، بداية من المعركة غير الدستورية التي خاضتها الكتل النيابية للموالاة لإسقاط رئيس البرلمان، إلى اصطفافه ضد رفيقه في الحزب طيب لوحفي في معركته مع أويحيى. ونفى حزب جبهة التحرير الوطني، السبت، في بيان له استقالة أمينه العام، مؤكدا أن ولد عباس في فترة راحة على خلفية تعرضه لوعكة صحية. وقال إنه “يفند قطعيا كل ما تردد من إشاعات”، حول استقالته. وسيربك هذا الوضع حظوظ الحزب في انتخابات التجديد النصفي المقررة نهاية الشهر القادم، في ظل الهزة التي ضربت رأس الحزب، ولو أن التسريبات تتوقع المزيد من التغييرات والمفاجآت في قادم الأيام، بما فيها الإطاحة بأويحيى، وحل البرلمان، والذهاب إلى مرحلة انتقالية، تكون قد رسمت بين الفاعلين الرسميين في السلطة (الرئاسة والجيش).
مشاركة :