د. علي توفيق الصادق*يدعو البنك الدولي إلى زيادة الاستثمارات في رأس المال البشري كماً وكيفاً من أجل تعزيز العدالة والنمو الاقتصادي. بداية لا بد من طرح السؤال من أجل توحيد المفاهيم: ماهي مكونات رأس المال البشري وكيف يقاس؟ يتألف رأس المال البشري، كما يفيدنا البنك الدولي، من المعارف والمهارات والقدرات الصحية التي تتراكم لدى الأشخاص على مدار حياتهم بما يمكِّنهم من استغلال إمكاناتهم كأفراد منتجين في المجتمع. تتطلب تنمية رأس المال البشري الاستثمار في البشر الذي يتجسد في توفير التغذية، والرعاية الصحية، والتعليم الجيد، والوظائف، وبناء المهارات. ويؤكد البنك الدولي في «تقرير التنمية في العالم لعام 2019» وموضوعه طبيعة العمل المتغيرة، أن تكاليف عدم تنمية رأس المال البشري مرتفعة وآخذة في التزايد لأنه بدون رأس المال البشري، لن يتسنى للبلدان مواصلة النمو الاقتصادي، ولن تكون لديها قوة عاملة مؤهلة للعمل في وظائف تتطلب مهارات أعلى في المستقبل، ولن تنافس بفاعلية في الاقتصاد العالمي. وبالإضافة إلى ذلك، فإن نسبة تتراوح ما بين 10 في المئة و30 في المئة من الفروق بين متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي للدول تعزى إلى الفروق في رأس المال البشري حسب ما يفيدنا البنك الدولي. لكن كيف يقاس رأس المال البشري؟ جواب البنك الدولي هو مؤشر رأس المال البشري الجديد الذي أطلقه في 11 أكتوبر / تشرين الأول 2018 أثناء الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي في بالي في أندونيسيا.تم تصميم المؤشر لالتقاط كمية رأس المال البشري التي يمكن أن يتوقعها الطفل منذ ولادته حتى بلوغه سن 18 سنة في ظل البيئة الصحية والتعليمية السائدة في البلد الذي يعيش فيه الطفل.يرتكز مؤشر رأس المال البشري على ثلاثة مكونات هي: المكون الأول: البقاء على قيد الحياة حتى سن 5 سنوات. المكون الثاني: المدرسة- السنوات المتوقعة من المدرسة - درجة الاختبار المنسق في الامتحانات الدولية المكون الثالث: الصحة: - نسبة من الأطفال دون سن الخامسة غير مصابين بالتقزمنسبة من العمر 15 سنة الذين بقوا على قيد الحياة حتى سن 60.هذه المكونات تترجم إلى مساهمة في الإنتاجية كعامل المستقبل. في ضوء ذلك يتضح الجسر الواصل بين مؤشر رأس المال البشري والنمو الاقتصادي الذي يتجسد في إنتاجية القوى العاملة. فكلما كانت الإنتاجية لعمال المستقبل مرتفعة وقوية كلما كان النمو الاقتصادي أعلى وأقوى. يتوسع تقرير البنك الدولي المشار إليه أعلاه في دراسة فوائد رأس المال البشري المنتج حيث يبين أن البلدان يمكن أن تستخدم مؤشر رأس المال البشري الجديد لتحديد مقدار مساهمة الصحة والتعليم في مستويات الإنتاجية والدخل المتوقع أن يحققها الجيل القادم وتقييم مقدار الدخل الذي تخسره بسبب الفجوات في رأس المال البشري، والسرعة التي يمكنها بها تحويل هذه الخسائر إلى مكاسب إذا ما تحركت على الفور.استعمل البنك الدولي مؤشر رأس المال البشري لترتيب درجات 157 دولة، منها 17 دولة عربية. الدرجات الخمس الأولى احتلتها سنغافورة (الدرجة الأولى)، كوريا الجنوبية (الثانية)، اليابان (الثالثة)، هونج كونج (الرابعة) وفنلندا (الخامسة). بالنسبة للبلدان العربية، فقد احتلت البحرين الدرجة 47، تلتها الإمارات حيث احتلت الدرجة 49، وسلطنة عمان 54، وقطر 60، والسعودية 73، واحتلت موريتانيا الدرجة الأخيرة للبلدان العربية البالغة 150.في ضوء مقياس مؤشر رأس المال البشري والدرجات التي حصلت عليها البلدان العربية المطلوب مراجعة مكونات المؤشر والبحث في أسباب تأخر الكثير من البلدان العربية وتدني مساهمة التعليم والصحة في إنتاجية العمالة في هذه البلدان.*مستشار اقتصادي مقيم في دبي
مشاركة :