ما يستحق المتابعة أيضاً في قصة وصول إلهان عمر، الأمريكية المسلمة الصومالية الأصل إلى الكونغرس الأمريكي هو بعض انقسامٍ حصل في الجالية المسلمة الأمريكية بخصوصها، فرغم التزامها بغطاء الرأس والعبادات الدينية، كانت آراؤها السياسية منسجمةً مع آراء حزبها، ليس فقط في القضايا الاقتصادية والبيئية والصحية وغيرها، وإنما أيضاً فيما يتعلق بدفاعها عن المثليين إما لجهة وجودهم أو لجهة حقوقهم بشكلٍ عام، هذا فضلاً عن ضجيجٍ أثاره البعض عند انتشار فيديو لها وهي ترقص وتغني بعض الأهازيج الصومالية التقليدية مع أفراد عائلتها. لسنا هنا في معرض الخوض في النقاش الراهن بين المسلمين، في أمريكا تحديداً، وربما خارجها، بخصوص تلك الآراءـ أو الحكم عليها بالصواب والخطأ، فالمهم أكثر ما يعنيه الحدث عندما يتعلق الأمر بالتطورات الحالية والقادمة في فهم الإسلام وتنزيله على الواقع، عملياً ونظرياً عند المسلمين، بعيداً عن كل الآراء التقليدية، فرغم كل الضجيج الآني في بعض الأوساط، نلمح ثمة درجتين من التغيير، على الأقل، في خلفية الظاهرة. على المستوى الأول يبدو الانتقال واضحاً في طريقة التعبير العملي عن التديُّن لدى شريحةٍ من المسلمين، بمعنى أن ممارسات هؤلاء التي تُعبُّر عن التزامهم بالدين، وهم يؤكدون ذلك الالتزام على فكرة، تَخرجُ باضطراد من القوالب التقليدية السائدة، خاصةً فيما يُسمى بـ«دائرة المعاملات» الواسعة جداً، والتي تستغرق معظم حياة الإنسان، يحصل هذا، حتى وإن بقيت طريقة التزامهم بالدين هي نفسها السائدة سابقاً في دائرتي «العقائد والعبادات»، يبدو هذا واضحًا في حالة إلهان عمر، وثمة شرائح واسعة بين مسلمي أمريكا، وخاصةً الجيل الثاني والثالث فيها، تنتمي لهذا التيار، والحقيقة أن هذا يبدو أمراً قد تَوَجَّه.. وحريٌ بالمسلمين إن كانوا جديين في التعامل مع دينهم ومع العالم، أن يفكروا بالأمر بشكلٍ استراتيجي، ويبحثوا عما ستؤول إليه الأمور بعد عشر سنوات فقط، على سبيل المثال.. على المستوى الثاني نلمحُ انتقالاً آخر حتى لدى الكثيرين من المسلمين الأمريكان الذين لا ينتمون للشريحة السابقة، لكن هؤلاء لم يعودوا يَحكمون حَرَاكهم السياسي في المجتمع الأمريكي بمقاييس الفقه التاريخية، بمعنى أنهم قد يكونون ملتزمين ذاتياً بأحكام الفقه المذكور، لكن هذا الالتزام لا يجب أن ينسحب، في رأيهم، على من يختارونهم لتمثيلهم في مواقع الخدمة السياسية العامة، بدءاً من مجالس المدن والبلدات وصولاً إلى رئاسة أمريكا، ومروراً بمئات المواقع الأخرى التي يتم انتقاء أصحابها بالانتخاب، ومنها طبعاً الكونغرس الذي وصلت إليه إلهان عمر ورشيدة طليب، يصدق هذا طبعاً على غير المسلمين، لكنه الآن يُعبّرُ عن نفسه بقوة مع ترشيح العشرات من أبناء الجالية، وكثيرٌ منهم ينتمي إلى الشريحة المذكورة أعلاه، قد يكون المثال هنا رشيدة طليب، المرأة المسلمة الثانية التي وصلت إلى الكونغرس عن ولاية ميتشيغان، وهي من أصل فلسطيني ولا تضع غطاء الرأس دون أن يدفعها هذا لإنكار خلفيتها الدينية كمسلمة، والنقلة التي نتحدث عنها هي قيام عشرات الآلاف من المسلمين في ولايتي مينيسوتا وميتشيغان لانتخاب إلهان ورشيدة، ومئات الآلاف من مسلمي أمريكا للتعبير عن التأييد لهما. والحقيقة أن الظاهرة أكثر تعقيداً مما يتصور الكثيرون، والتعاملُ معها بتبسيطٍ وتعميم راسخين في الثقافة الإسلامية السائدة سيكون مدعاةً لمفاجآت وصدمات جمة مستقبلية نتيجة تغييراتٍ عميقةٍ وكبيرة قادمة، فإلهان عمر التي ترتدي غطاء الرأس وتلتزم بالعبادات، هي نفسها التي لا ترى في الموسيقى والرقص على الأهازيج بأساً، وإلهان عمر التي تؤيد حقوق ووجود المثليين، هي نفسها التي اشتهرت على مدى سنوات بانتقاد سياسات الحكومة الإسرائيلية ودَرَجت على وصفها بأنها «نظامٌ للفصل العنصري»، وعندما اتَّهَمَتها بعض الجمعيات بمعاداة السامية رفضت الاتهام قائلةً بأنها ليست ضد اليهود كشعبٍ وكمواطنين، وإنما ضد سياسات القتل والعنف والتشريد التي تمارسها الحكومة المذكورة. هذا نوعٌ من الالتزام بالإسلام لم يعد بالإمكان وضعُهُ في أحد (الصناديق) أو (المُعلّبات) القليلة.. الجاهزة.. المُسبَقة الصُّنع.. لطُرُق الالتزام في الثقافة الإسلامية الراهنة،. والصناديقُ تلك تَضِيقُ بشكلٍ متزايد على الملايين من أبناء المسلمين، داخل أمريكا حتماً، لكن المؤشرات كثيرة على عموم الظاهرة خارجها أيضاً. والحديث فيها يطول..
مشاركة :