ربما أهمَّ ما توضحَ للعالم بعد مأساة جريمة قتل أ. جمال خاشقجي هو تأكيد شعور غالبية السعوديين بالتوجع، واستنفارهم لحماية الوطن ورفضهم وتصديهم لمحاولة الاستنفار الخارجي لأي فوضى حراقة تشعل بجذوة من أي مبرر بتخطيط فاعل مترصد مستتر. إلتقيت بجمال خاشقجي في مشاركاتي بالأنشطة السعودية الرسمية في الخارج خلال الفترة التي كان يعمل فيها مستشارًا في السفارة السعودية بلندن ثم في واشنطن. مثقف إسلامي الهوى. وتألمت لما آل إليه مصيره، رحمه الله وغفر له وربط على قلوب ذويه. ورغم فيضان سيل التداعيات الإعلامية والرسمية والفردية تفاعلاً مع الحدث الأليم إلا أن إعلامنا الرسمي ظل رزينًا في تناول الأخبار ينتظر أن ينجلي الضباب وتعلن التفاصيل رسميًا كما وعدت قيادة البلاد. يوم الخميس تابعت التعليقات الإعلامية, الداخلية والخارجية, على بيان النيابة العامة السعودية في المؤتمر الصحفي الذي دعت إليه حول قضية الإعلامي السعودي جمال خاشقجي -رحمه الله, وتفاصيل الأحداث الفاجعة في القنصلية بإسطنبول. والجديد في التقييم البيان هو تركيز الكثيرين على شفافية الأسلوب وإجابات أسئلة الصحفيين, إذ تطرق البيان والإجابات لمعظم التفاصيل, واستجاب الناطق المسؤول حتى للأسئلة المباشرة. معظم التعليقات السلبية تركز على أن الرواية الرسمية السعودية للأحداث تغيرت تفاصيلها مرات عدة.. شخصيًا أرى في ذلك شهادة إثبات أن المسؤولين في السعودية لم يخططوا إلا لمحاولة إعادة الرجل إلى الوطن. أما وفاته فكانت مفاجأة لهم ولم يحصلوا على التفاصيل المروعة إلا بعد الحدث, بينما لم يحصلوا من الجانب التركي على إثباتات مادية أو ما يساعدهم في استجلاء ما حدث بالضبط. ورغم هذا ظلت لغة البيانات الرسمية راقية في إشاراتها للمسؤولين الأتراك ولم تنجر إلى المهاترات ومبادلة مسربي التهم الهمز واللمز والاستدراج. رغم أن تركيا اعتمدت أسلوب تسريب التفاصيل بالقطارة أولاً لتجنب الاعتراف المباشر رسميًا بتجسسها, وهو تصرف ممنوع دوليًا وإن مارسه كثيرون ضمن نشاط الاستخبارات. وقد ذكر الموقوفون أن الاستخبارات التركية ساعدتهم في المطار وسهل مسؤولوها تحركاتهم, كما نقلت التفاصيل للاستخبارات القطرية والإيرانية. والله أعلم لمن أيضًا. وفي أول التغطيات بعد الحدث نقلت الأخبار أن سفارتي إيران وقطر أخليتا للتفتيش. ورغم أن التفاصيل المروعة التي أكدها البيان قطعت الشك باليقين, ما استغربته شخصيًا منذ البدء هو الصخب الإعلامي السلبي الذي تلقف القضية بتكثيف عالمي خارج المعتاد, لم يحظ به في سنوات تجربتي حتى اغتيال رؤساء دول أو علماء ذرة. وسأتابع معكم تداعيات ما يستجد. ولا أشك أن المزيد من التفاصيل غير المعلنة أو المعروفة بعد ستتضح، ونحن في انتظارها, وسنبقى مصرين على استقرار الوطن وسيادة العدالة, ليلقى كل من كان طرفًا في الجريمة وساهم في المأساة جزاءه المستحق.
مشاركة :