مكسيكوسيتي – جرت العادة أن يجد الزبائن في الأسواق أشكالا وألوانا من جميع الأصناف، إلا أن سوق الأغذية في مدينة مكسيكوسيتي يعد استثناء، حيث يقدم مأكولات تناسب جميع الأذواق، من الجداجد (الصراصير) المقرمشة المحمصة وصولا إلى شطائر برغر التمساح الشهية اللذيذة، في تجربة فريدة لعالم أطعمة غريبة. يعرف المكان بسوق سان خوان دي بوجيبيت، ويقع في قلب العاصمة المكسيكية، ويتميز بمعروضاته الشهية من الأجبان والفواكه والنقانق والخضر، كما تباع به أيضا العقارب والخنافس ولحوم الأفاعي والأسود، والطريف في الأمر أن كل هذه الأشياء العجيبة يتم تداولها بصورة قانونية تماما. يتميز هذا السوق عن غيره في عدة أمور، بدءا من الشكل الخارجي، فهو قديم نوعا ما، وواجهته متواضعة، تساقط طلاؤها، على عكس الأسواق المكسيكية التقليدية التي تتميز بألوانها الزاهية. ولكن بمجرد عبور البوابات الخارجية تتبدل الصورة تماما، ليظهر مكان تمتزج وتتداخل فيه الروائح والطعوم. بين المزاح والجد، يقول دانييل مالدونادو باثكيث، شاب في الخامسة والعشرين من العمر يبيع نوعا من الجراد المقلي وجداجد مدغشقر (نوع من الصراصير)، والخنافس وغيرها من الحشرات، “لو اندلعت حرب عالمية ثالثة، هذا ما سوف يتبقى لنا لنأكله”. تقع عربة دانييل أمام محل بقالة يبيع نقانق ونبيذا، وكنوع من التحدي والدفاع عن الأصالة المكسيكية وضع لافتة تقول “المذاق المكسيكي”، كما لو كان يتحدث عن الروح العجائبية التي كانت تميز طعام شعوب المكسيك الأوائل قبل الغزو الإسباني. ويطلقون على هذه النوعية من الأطعمة “غذاء عصر ما قبل كولومبس″ لأن الثقافات السابقة على العصر الكولونيالي كانت قائمة طعامها تضم وجبات من الحشرات بخلاف العديد من الفواكه والخضر الغريبة والعجيبة. يقوم دانييل بتحميص الحشرات في الفرن، ولكن قبل ذلك يقوم بتتبيلها ويضيف إليها ملحا خاصا مصنوعا من ديدان صبار الأغاف العملاق، وهو نفس نوع الصبار الذي يصنع منه مشروب التيكيلا المسكر القوي، وهو مشروب تقليدي اشتهرت به المكسيك مع مشروب المثكال أيضا. ويوضح “تعلمت طريقة إعداد هذه الحشرات منذ الصغر. أمي من هيدالجو، وهي بلدة معروفة بهذه النوعية من الأطعمة، ولهذا تعلمت طهي هذه الحشرات منذ العاشرة من عمري”. ويضيف أن الحشرات يمكن أن تؤكل محمصة أو مع أي نوع من الصلصة، معدة أيضا من الحشرات، أو معدة مع خبز التاكو الشهير المصنوع من الذرة والسلاطة. عندما يقترب الفضوليون ليسألوا، يقدم لهم عينات مجانية ليتذوقوها حسب رغبتهم، ولكن غالبيتهم لا يجرؤون، أما من يتجاسرون على الإقدام على هذه الخطوة، فيقومون بذلك بعد تردد كبير قبل تناول اللقمة من يده ليقذفوا بها في جوفهم. بينما لا يتوقف دانييل عن الابتسام مشجعا الجمهور على محاكاة هذا الزبون الفضولي، معلقا “لطالما التهمت بشهية يرقات بيض النمل والعقارب ونمل شيكاتان العملاق”. ويضيف يمكن تناول الحشرات، لكن الحشرات مملحة أو كنوع من الحلوى. تمنح وزارة البيئة المكسيكية تصاريح للمزارع أو الحضانات لاستخدام الحياة البرية، بما في ذلك الأنواع الغريبة، شريطة أن تثبت مصدرها القانوني على بعد أمتار قليلة من “المذاق المكسيكي” يوجد محل “ذئاب القيوط”، حيث تقدم الخنافس المحشوة بالشوكولاتة، أسياخ النمل في الشوكولاتة ومصاصات الحلوى مع العقرب. على الرغم من أن الأمر قد يبدو صادما، فإن أولئك الذين يترددون على المحل يعرفون بالفعل ما يجب عليهم طلبه. يسألون عن كيلو من الجنادب الحار أو في الصلصة، أو عن نمل الأسكامول أو ملح دود صبار التيكيلا. كما يستفسرون عن أسعار لحوم التماسيح، وعجول الجاموس، والنعام أو الأسود، وهناك من يسألون عن لحوم النمور أيضا. “الكيلو بـ800 بيزو”، يقول أحد الباعة مستعرضا كتلة من اللحم الطازج. أما من لا يريد شراء اللحم نيئا، فيمكنه التوجه مباشرة إلى محل مشويات لتناوله أو كشطائر برغر التمساح، حيث أقام محل “ذئاب القيوط” مطعما في وسط السوق، ويبلغ سعر شطيرة برغر التمساح 140 بيزو، ما يعادل 7 دولارات، وتقدم مع “الفرنش فرايز″ أو البطاطا المقلية. تقول البائعة أماندا “كل المأكولات التي تباع هنا قانونية تماما، بما في ذلك لحوم الأسود والتماسيح التي تأتينا من المزارع ، قد يكون مذاقها حمضيا نوعا ما، ولكنها شهية”. وبينما يستعد الزبائن لتناول وجباتهم، تقدم لهم عينات من مشروب المثكال بنكهاته المختلفة، بطعم القهوة، والحلو، حيث تضيف ملوحة بزجاجة تحتوي مشروبا غامقا في يدها “هكذا يسكرون سريعا”. ولبيع لحوم هذه الحيوانات الغريبة، يحتاجون إلى تصاريح خاصة من السلطات البيئية المكسيكية. تمنح وزارة البيئة تصاريح للمزارع أو الحضانات لاستخدام الحياة البرية، بما في ذلك الأنواع الغريبة، شريطة أن تثبت مصدرها القانوني. يمكن العثور على لحم الظربان، أو حيوان المدرع (أرماديلو)، أو الأفاعي من بين حيوانات أخرى في سوق سان خوان بوجيبيت، وهو مكان عمره 60 عاما تقريبا، وأدرج ضمن قائمة اليونسكو لتراث الإنسانية غير المادي في مكسيكو سيتي مع 300 سوق تقليدي أخرى حول العالم. يقول فرانسيسكو راميرز (50 عاما) “لا يمكن تفسير سر شعبية هذا السوق، بالنسبة لي هو بمثابة بيتي الثاني”، حيث يؤكد أنه ولد في السوق وموقف الخضار الذي ورثه عن والده وكان بدوره يقف فيه مكان جده. ويضيف “هذا مكان تتوارثه الأجيال”. يوجد لديه جميع أصناف الخضروات، قادمة من جميع مناطق البلاد تقريبا وحتى من بلدان أميركا الجنوبية وأميركا الوسطى. ولكن بالإضافة إلى اللحوم الغريبة، في سان خوان بوجيبيت يمكنك العثور على جبن من سويسرا وهولندا ونبيذ إيطالي وإسباني، وكذلك لحم الخنزير والنقانق الفاخرة جدا، حيث يقول راميرز “يأتي الجميع إلى هنا، ابتداء من الشخص الذي لا يريد سوى تجربة طعوم غريبة وحتى الطهاة المحترفين من المطاعم الأجنبية. هذا المكان ممتلئ دائما”.
مشاركة :