كيف يمكن رصد سلاحف مهددة بالانقراض من الفضاء؟

  • 11/19/2018
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

مصدر الصورةLeif Johnson, Conservancy of Southwest FloridaImage caption سلاحف كمب مهددة بشدة بالانقراض تعد سلاحف "كِمب"، التي تتميز بصدفتها المستديرة شاحبة اللون ورأسها الشبيه برأس الببغاء، أصغر أنواع السلاحف البحرية وأكثرها عرضة لخطر الانقراض. وهذه السلاحف رغم ندرتها، فإنها أكثر أنواع السلاحف المائية انتشارا في الخلجان ومصبات الأنهار غربي ولاية فلوريدا، بالولايات المتحدة. وفي عام 1986، عندما شاركت في دراسات لحصر أعداد سلاحف كمب اليافعة التي تعيش في الساحل الغربي لولاية فلوريدا بالقرب من مدينة سيدر كي، كانت هذه السلاحف على شفا الانقراض. علماء في أوكرانيا يخترعون أكياسا "بلاستيكية" قابلة للأكلكيف أصبح البلاستيك "طعام الحيوانات البحرية"؟ لكن هذه الدراسات التي كانت تعتمد على ترقيم السلاحف وإطلاقها ثم استعادتها لمتابعة تطورها، لم تكشف إلا عن الأماكن التي ترتادها السلاحف المرقمة والفترة التي تمضيها في المياه، ولم توفر إلا القليل من المعلومات عن أنشطتها في الفترة ما بين ترقيمها واستعادتها في نهاية المطاف. وبالإضافة إلى هذا، من الصعب رصد سلوكيات الحيوانات البحرية التي تعيش في المياه الضحلة العكرة عند مصبات الأنهار وتقضي معظم أوقاتها أسفل سطح المياه. إلا أن الأساليب المتطورة لتعقب الأحياء البرية كشفت النقاب عن بعض عادات وسلوكيات هذه الأنواع من السلاحف التي كان يتعذر معرفتها من قبل. وظلت أعداد سلاحف كمب التي عثر عليها بمحاذاة خليج المكسيك غير مستقرة على مدى نصف قرن. ففي عام 1947، صُورت نحو 40 ألف سلحفاة متجهة نحو الشاطئ لتضع بيضها وسط الرمال بالقرب من بلدة رانشو نويفو المكسيكية. وفي منتصف الستينيات، تراجعت أعداد السلاحف التي تأتي للإقامة في بيوتها في ذلك الموسم تراجعا حادا، إذ قُدرت بنحو 5,000 سلحفاة فقط طوال العام. ولم تشهد الشواطئ في عام 1985 سوى قدوم 702 سلحفاة في موسم إقامتها. وبالرغم من أن الجهود الرامية لحماية الشواطئ التي تقيم فيها السلاحف بيوتها، وحفظ السلاحف من الوقوع في شباك الصيادين في مصائد الأسماك، قد ساهمت بالفعل في إنقاذ سلاحف كمب من حافة الانقراض، إلا أن هذه السلاحف لم تخرج بعد من دائرة الخطر. وترتاد صغار سلاحف كمب المياه الساحلية الممتدة من ولاية تكساس إلى ماساتشوستس بحثا عن الغذاء، ولكننا لا نعرف تحديدا كيف تتفاعل هذه السلاحف مع بيئاتها. غير أننا استطعنا مؤخرا أن نكتشف بعض أسرار هذه الحيوانات المهددة بشدة بالانقراض من خلال تعقبها من الفضاء.مصدر الصورةLeif Johnson, Conservancy of Southwest FloridaImage caption تثبت أجهزة بث على صدفة السلحفاة المائية، وتتلقى الأقمار الصناعية إشارة خاصة بكل سلحفاة مائية على حدة عندما تصعد إلى السطح لتتنفس فقد أصبحت تقنيات التتبع بالأقمار الصناعية تُوظف على نطاق واسع في دراسة أنماط توزيع السلاحف ومواطنها. وستكشف لنا هذه المعلومات عن جوانب أخرى من حياة السلاحف المائية. إذ تُثبت أجهزة بث الإشارات على أصداف السلاحف، وتتلقى الأقمار الصناعية إشارة خاصة بكل سلحفاة على حدة عندما تصعد السلحفاة للسطح لتتنفس. ثم يبث القمر الصناعي البيانات مرة أخرى إلى المحطات الأرضية، لتقييم موقع كل سلحفاة. وساهمت هذه التقنيات المتطورة في حل لغز اختفاء هذه السلاحف من المياه الباردة بالقرب من السواحل في فصل الشتاء. فقد افترض الصيادون في المنطقة أنها تخرج من المياه عندما تنخفض درجة حرارتها وتدفن نفسها في الوحل لتدخل في سبات شبيه بالبيات الشتوي. واكتشفنا أن سلاحف كمب تنتقل بالفعل من مناطق التغذية بالقرب من الشاطئ في نوفمبر/ تشرين الثاني عندما تنخفض درجات الحرارة وتتجه جنوبا نحو المياه الأكثر عمقا ودفئا قبالة الساحل الجنوبي الغربي لولاية فلوريدا. وفي يناير/ كانون الأول، تعود جميع السلاحف المائية أدراجها إلى نفس منطقة التغذية. وأوضحت بيانات التتبع بالقمر الصناعي أن السلاحف تظهر نوعا من الولاء لمناطق ساحلية معينة دون غيرها، وكشفت أيضا عن وجود مسار للهجرة الموسمية بمحاذاة الساحل. إلا أننا عند دراسة سلوكيات سلاحف كمب في مناطق التغذية جنوب غربي فلوريدا، رصدنا بعض الاختلافات العجيبة في أنماط هجرة السلاحف من عام لآخر، بالرغم من عدم تغير درجات حرارة المياه. وهذا يدل على وجود تغيرات بيئية أخرى تؤثر على سلوكياتها. لاحظنا من بيانات القمر الصناعي أن إحدى سلاحف كمب اتجهت نحو المياه وابتعدت عن الشاطئ ثم أمضت وقتا طويلا على السطح، ربما لأنها كانت مصابة أو مريضة، وبعدها انقطع البث. ويشهد الساحل الغربي لفلوريدا أحيانا موجات من تكاثر طحالب "كارينيا بريفيس" في ظاهرة تُعرف باسم "المد الأحمر"، حيث تفرز هذه الطحالب سموما تهدد سلامة الحيوانات البحرية. وفي غمرة موجات المد الأحمر الشديدة، تلقي الأمواج بالكثير من السلاحف البحرية على الساحل، أغلبها نافقة بسبب ارتفاع نسب السمية في بيئاتها، أما السلاحف التي تظل منها على قيد الحياة فتظهر عليها أعراض تدل على تعرضها لسموم الطحالب، مثل الخمول أو الشلل أو تشنج العضلات، أو غير ذلك من أعراض إصابة الجهاز العصبي. واكتشفنا فيما بعد أن سلحفاة كمب التي كان يتتبعها القمر الصناعي قد اجتازت منطقة ذات تركيزات مرتفعة من سموم الطحالب التي تسبب المد الأحمر. وهذا السلوك غير المعتاد الذي أظهرته هذه السلحفاة يدل على أنها تعرضت لجرعة كبيرة من هذه السموم التي تصيب الجهاز العصبي وصعدت إلى سطح المياه حيث أصيبت بالشلل وبعدها نفقت. مصدر الصورةLeif Johnson, Conservancy of Southwest FloridaImage caption جيف شميد، كاتب المقال، مع سلحفاة بحرية من نوع كمب إلا أن كل هذه المعلومات كانت محض تكهنات، ولهذا فإن الملاحظة المباشرة لسلوكيات الحيوانات المائية أفضل في رصد سلوكيات الأحياء المائية من تقنيات التتبع عن بعد. وتشير بعض البيانات التي جمعت عن سلاحف كمب بشكل عام أثناء موجات المد الأحمر للطحالب إلى أن أنماط هجرة هذه السلاحف تتأثر بمدى تكاثر الطحالب والعوالق التي تسبب هذه الظاهرة. وعندما جمعنا البيانات الخاصة بمواقع السلاحف مع البيانات الخاصة ببرامج تحليل عينات المياه الملوثة بالطحالب والعوالق المسببة للمد الأحمر، تبيّن لنا أن سلاحف كمب تنفر من المواقع المتأثرة بظاهرة المد الأحمر. وهذا يدل على أن سلاحف كمب قادرة بشكل ما على الكشف عن تركيزات السموم التي تفرزها الطحالب في المياه أثناء المد الأحمر، والبحث عن مناطق أخرى يقل فيها تركيز هذه السموم. ولعل هذا يذكرنا بسلوك مرتادي الشواطئ الذين يصابون بضيق في التنفس أثناء ظاهرة المد الأحمر، فيغادرون الشاطئ على الفور. إلا أننا لا نعرف بعد الكيفية التي تكشف بها السلاحف عن تركيزات السموم في المياه، ولا الأساليب التي تلجأ إليها للابتعاد عن المناطق ذات التركيزات المرتفعة للسموم. وتجرى الآن دراسات لتعقب سلاحف كمب بالقمر الصناعي في سلسلة جزر "العشرة آلاف جزيرة"، وهي شبكة من مستنقعات المنغروف التي تتخللها المياه جنوب غربي ولاية فلوريدا، لكن هذه المنطقة التي كانت تعتمد عليها السلاحف للحصول على الغذاء ضربها إعصار إيرما في عام 2017. وألحق ذلك الإعصار أضرارا جسيمة بالأنظمة البيئية في مصبات الأنهار، ويبدو أن السلاحف المائية انتقلت إلى مناطق أخرى، وما زاد الأمر سوءا أن الإعصار المدمر أعقبته موجة طويلة من المد الأحمر. وعُثر على الكثير من سلاحف كمب التي نفقت جراء التعرض للتركيزات المرتفعة من السموم التي أفرزتها الطحالب في المياه. لكن إذا تحسنت الأوضاع، سنتمكن من دراسة طرق تأقلم الكائنات التي تواجه خطر الانقراض مع التغيرات التي تطرأ في أعقاب الكوارث الطبيعية على البيئات التي ترتادها هذه الكائنات بحثا عن الغذاء. يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Earth ----------------------------------------------------- يمكنكم استلام إشعارات بأهم الموضوعات بعد تحميل أحدث نسخة من تطبيق بي بي سي عربي على هاتفكم المحمول.

مشاركة :