هل يهرب السعوديون إلى القطاع الحكومي؟

  • 11/19/2018
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

يبدو أن الشباب السعودي الباحث عن العمل بات متأكداً أنه لا غنى عن العمل في المؤسسات الحكومية، حتى وإن كانت قليلة وغير مرضية إلا أنها تمنح أماناً وظيفياً واستدامة، كما أن الترقيات والزيادات منتظمة وفق القوانين والأنظمة، خاصة بعد أن اكتشف معظم الشباب - من الجنسين- أن الوظائف التي طرحتها وزارة العمل ضمن برنامج التوطين في قطاعات التجزئة والأنشطة التجارية مرتباتها ضعيفة وهزيلة، إضافة إلى أنها لا تتناسب مع حملة شهادات البكالوريوس والماجستير والتخصصات، وهي الفئة الأعلى التي تتزايد بينهم نسبة البطالة والباحثين عن العمل. صحيح أن توطين هذه الأنشطة التجارية خلق أكثر من 300 ألف وظيفة، فضلاً عن مغادرة مليوني وافد، إلا أنه ليس مؤشراً لنجاح برنامج التوطين، إذ إننا لم نسمع من الطرف الآخر وهو القطاع الخاص كيف تلقى خبر التوطين، ولماذا دائماً يسوق لمرتبات زهيدة لا تتجاوز الأربعة آلاف إلى الخمسة آلاف، بينما النسبة الكبيرة منهم مرتباتهم ثلاثة آلاف وخمسمئة ريال، فهل هذه مرتبات تغني أو تسمن من جوع، هي بالكاد تكفي لشخص واحد فكيف لرب أسرة لديه زوجة وأطفال وبهذا المرتب الضعيف، وهذه ستنعكس مستقبلاً سلباً، في تأخير عمر الزواج لدى الشباب أو الانصراف عنه، ووزارة العمل لا يمكن أن تلزم الشركات في تحسين المرتبات، فهي فقط تريد سعوديين يعملون في القطاع الخاص مهما كان الأمر ومن دون النظر إلى المرتبات، أو إذا كانت الوظيفة أصلاً لا تحتاج إلى خريجي جامعات أو درجات علمية عالية، لأن جميع الوظائف التي طرحت إما بائع أو موظف استقبال، فهذه المهن تحتاج إلى مستوى متدنٍ من التعليم، أما الشركات الكبرى والمتوسطة فالتوظيف والمرتبات العالية لا تزال من نصيب أصدقائنا أصحاب العيون الزرقاء والشعر الأشقر، وإن كان هناك سعوديون فهم قلة جداً، وربما يُترصد لك في كل أعمالك وتصرفاتك، حتى يتخلص منك من أقرب باب طوارئ. الأسبوع الماضي نشر مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية تقريراً لباحثه ستيفن هيرتوغ بعنوان «هل من الممكن سعودة سوق العمل دون إلحاق ضرر بالقطاع الخاص»، يقول ستيفن: «هناك صيغة مفقودة تضمن توفير وظائف كافية ومستدامة للمواطنين السعوديين، فقد أوجد نظام الحصص للتوظيف في برنامج (نطاقات) فرص عمل كبيرة، فهو أيضاً فرض تكاليف كبيرة على الأعمال التجارية، وفي المؤسسات الحكومية ثلثا السعوديين يعملون فيها، فيما لا يزال أكثر من 12 مليون وافد يسيطرون على سوق العمل في القطاع الخاص»، ويبين التقرير الذي أعده مركز الملك فيصل للبحوث، أن المواطنين السعوديين يعتمدون على التوظيف الحكومي، بينما كل الاقتصادات المتقدمة والناشئة تستوعب أقل من الخمس من مواطنيها في القطاع العام، بينما أغلب الوافدين العاملين في القطاع الخاص من ذوي المهارات المنخفضة، وربما هذا هو السبب في ركود المستويات الإنتاجية للقطاع الخاص، وتشير إلى أن عدد المواطنين السعوديين في سوق العمل سيزداد بأكثر من 200 ألف في السنة على الأقل في العقد المقبل، بحيث ستصل الأعداد الكبيرة من الفئات العمرية إلى مرحلة النضج، إذ كان إيجاد الوظائف في القطاع الخاص للمواطنين السعوديين أقل بكثير من 100 ألف في السنة، وهو ما أوجد فجوة متزايدة بين الوظائف التي يحتاجها المواطنون والوظائف التي تم إنشاؤها لهم. وفي استطلاع أجرته عن مدى جاذبية الباحثين عن العمل في القطاع الحكومي أو الخاص، أجاب 76 في المئة منهم أنهم يفضلون وظيفة حكومية، لكونها تمثل لهم أماناً وظيفياً واستقراراً، وأيضاً ساعات عمل منتظمة من الـ7.5 صباحاً إلى الـ2.5 ظهراً، في المقابل يفضل الوافدون العمل بساعات أطول وأيام الإجازات، نظراً لأن معظمهم من دون أسرهم أو أن أسرهم غادرت البلاد، فهو يجد المزيد من الوقت لكسب المال والعمل. ويتوصّل التقرير إلى أنه من الصعوبة العثور على موظف سعودي، كما أنه الأسرع في ترك العمل، وأكثر صعوبة في فصلهم من الأجانب، واستطاع برنامج نطاقات أن يخلق وظائف للسعوديين بأجور متدنية، كما جاء في التقرير بأكثر من 50 في المئة من الوظائف التي طرحها القطاع الخاص. واشتمل التقرير على تساؤلات عدة، منها: هل من الممكن إغلاق الفجوة في تكاليف العمل وإغلاق فجوة التنقل، ولخصت إلى التوقعات التالية، إغلاق الفجوات القائمة في تكاليف العمالة وحقوق العمال، وهو ما يمنح المواطنين السعوديين حوافز قوية على البحث عن وظائف في القطاع الخاص، وأن التحول إلى سيناريو أن غالبية الموظفين السعوديين يعملون في القطاع الخاص لن يكون سهلاً، وإيجاد وظائف كافية في القطاع الخاص لأفواج جديدة من السعوديين الباحثين عن عمل هو التحدي الاجتماعي - الاقتصادي الرئيس الذي ستواجهه المملكة حتى 2030 وبعده. ربما يكون سوق العمل في القطاع الخاص بحاجة إلى المزيد من الإغراءات وطرح المزايا، كما على الجهات المختصة ربما إعادة النظر في الرسوم والزيادات التي فرضت قبل عام على القطاع الخاص، بحيث تخفف عنه الحمل الثقيل على كاهله، ليتمكن من مواجهة بعض الاضطرابات التي يعيشها القطاع الخاص، وبالنسبة لسوق العمل، فهو بالفعل ليس مغرياً للسعوديين لأن يمضوا جل وقتهم في مرتب أقل ومن دون مزايا وظروف صعبة، من دون رقيب أو محاسبة على الفصل أو حرمانه من الترقية. ربما التقرير الذي أعده مركز الملك فيصل للبحوث الإسلامية وهناك العديد من الجهات المعنية أعدت تقارير ودراسات تتعلق بسوق العمل ووضع القطاع الخاص، وجميعها مهمة وتحتاج من صناع القرار دراستها وفهمها.

مشاركة :