المثقف وجد ليضيء الدروب ويلهم العقول، يأتي حرفة كسحابة ممتلئة. ولا تزال الدنيا تضغط على المثقف وتضيق عليه، مما يجعله يتمرد ويخرج عن السياق أحيانا، فنفوز بالإبداع والامتاع. أسماء العبداللطيف، كاتبة سعودية درست أصول الدين ومارست القراءة كثيرا، أصبحت القراءة كونها وأكوانها، عاشت مع المؤلفين كل القصص، ورحلت عبر الأوراق والعوالم، بحثا عن معنى ولحظة جنون تمنح عقلها النور المبين. تقرأ لها فتذهلك بوصة الأبجدية عندها، هي لا تبحث عن النور ولا تلحق به، لذا ينتصر لها الظل كثيرا ويفوز بها. من كتبها نتعرف على حياة كامنة في كوامنها، قد لا نعرفها ولكننا نعشق تفاصيلها، ومع تغريداتها نؤمن أن الكلمة القصيرة باب لرواية أكبر. متصالحة مع من حولها، ومنسجمة مع كل اختلاف يطرق بابها، لكن عند القراءة وعوالمها يخرج منها مارد أكبر لا يعرف أنصاف الحلول ولا يرضى بالمنطقة الوسطى، لذا تعتب على أندية القراءة وتلوم دور النشر وتستجدي معارض الكتب والمنصات اطلالة وحضوراً بهياً. لها من اسمها نصيب، تتعدد الأسماء والاتجاهات عندها، ولكن اللطف يصحبها دائما، وهي تمضي بنا بين الصفحات وتحت السطور.. إلى الحوار: > تكوينك الثقافي هل للبيئة الاجتماعية دور فيه؟ - ربما للبيئة وربما للقراءات، لكن المثقف الحقيقي لا يتأثر بالبيئة الاجتماعية إلا بقدر ما يسمح لها به، لأن وظيفته التأثير لا التأثر، علية أن يتخطى المجتمع إلى مناكب الأرض لٌيحدث الفارق. > لماذا الحياة المغلقة، تمنح صاحبها فتوحات كثيرة وخيالا خصبا؟ - لأنه لم يجد إلا ذاته فغاص فيها ثم بعثها بنور التأمل والتفكر، ومن يظفر بذاته سيصنع المعجزات. > ماذا بقي في سمائك من الأطياف الثقافية التي تعرفتِ عليها؟ - أطياف بلا أسماء، جمال الشأن الثقافي في تعدد مناهجه ومشاربه، نتجاوز الأسماء لنفوز بالنص ونرحل معه بعيدا. > جامعة الإمام شهدت جل حياتك العلمية.. كيف ترين تسارع خطى التحديث فيها؟ - الحقيقة لا أعرف كيف هي الآن، وأتمنى انها استطاعت المشي، ولابد لها أن تستثمر أصالتها في مواكبة المتغيرات حولها، فتحضر في المشهد بثباتها المتجدد وصناعة المتغير للأفضل. > هل تواكب مناهجها الدينية المتغيرات حولها وتتفاعل معها؟ - في الجامعات أعتقد أن من يختار المناهج هو عضو هيئة التدريس، وإذا كان هناك تطوير للمناهج، فالمناهج الدينية في أصولها ثابتة لا تتغير وهي مواكبة لكل المتغيرات الزمانية والمكانية، لكن المشكلة لم تكن يوما فيها، بل لمن قدمها سابقا بشكل غليظ وصعب. > طالبات الجامعة وطلابها.. من أكثر قدرة على الإبداع؟ - من يقرأ أكثر سيصل لمبتغاه أسرع، وسيحقق أهدافه وغاياته، المجتمع الذي يقرأ ويقرأ، سنصافح الإبداع في كل جنباته. > من يتحمل مسؤولية استياء الأجيال من ثقافتهم؟ - إذا كان هناك استياء فهذا مؤشر رائع، إذ ان المصيبة تكمل في الرضى بالضحالة أو واقع سطحي، ويتحمل هذا الاستياء الأسرة المدرسة الإعلام والفرد نفسه. > تهمة الجمود الذي يشل المناهج الثقافية والدراسية عن السير مواكبة مع التغيرات الحضارية.. هل تتفقين معها؟ - أعتقد أن العملية التعليمية ثقافية كانت أو دراسية لا تخرج عن كونها تعاونية، والمناهج جزء من هذه العملية، لا يجب أن نحمل المناهج كل شيء، هي في ذاتها ومفرداتها معقولة، لكنها تحتاج لمن يخرجها للمتلقي بصورة أجمل. > امتزاج الحضارات نراه في طرقاتنا وفي بيوتنا، كيف يستطيع الأبناء الموازنة بين ما يعيشونه وما يُطلب منهم حتى لا يتهموا بالفساد؟ - عند تأصيل قيمنا الدينية وأصالتنا في أبنائنا، لن نجد مشكلة من امتزاج الحضارات معنا. وليست هناك مشكلة في أن تعتاد الأجيال على فن التعايش وتقبل الآخر، كوننا كونا واحدا، لا يجب أن ننعزل أو نخاف، بل لابد لنا من الحضور والتفاعل وتقديم منتجنا والمباهاة به، ونؤمن تماما، أن مجتمعنا قادر على المعايشة والتمييز واتخاذ القرار فيما ينفعه ويضره. > يتهم البعض المرأة عندنا بأنها لا تجيد التحدث عن قضاياها في مجتمعها؟ - لأنها تطرح قضاياها بشكل لا يرضيهم، وتتحدث عما تريد لا ما يريدون، البعض ما زال يعاني من المرأة، وهذا لا يعني أن البعض منهن أخذت القضية من باب الانتقام والاستشفاء بعيدا عن التبصر والبصيرة، وربما تدفعها مجموعة مواقف شكلت عقدة في ذاتها وهذا يزيد المرأة وقضاياها عبئا، عند الحديث عن قضايا المرأة تكثر المنابر وتجف المحابر وتفتح المعابر ثم لا شيء. > من يشوه وجه الحياة أكثر.. التطرف أم الحرية المطلقة؟ - الحياة تتشوه إن لم تكن طبيعية، المتطرف يحرمنا من الحياة باسم الله وهذا مناف للحكمة التي خلقنا الله لها، ودعاة الحرية المطلقة يحرموننا الحياة باسم الحياة! تتساءل لين ستالسبيرج في كتابها «هل أنا حرة»: ما الذي كنا نريد أن نتحرر منه؟ هل علينا أن نتحرر من أولادنا أم عليهم أن يتحرروا منا؟ > كيف نستطيع تحقيق حب الوطن.. على أرض الواقع؟ - عندما نتيقن أن كل الأشياء بدون الوطن سراب، كل الأماكن وكل الشعوب، كل اللغات وكل موطن جمرة وكل نظرة حسرة، وكلها مواعيد احتضار للصوت فوق الأرض. > شياطين الشك، متى تتعوذين منها؟ - عندما تطوف حول احلامي، التعامل مع الشك يحتاج ليقين صادق ليس بالسهل، متى ما عرف طريقا لك، ضاع الكثير منك وتأخرت أكثر! > أي اليقينيات تتعب حياتك؟ - نقصان الأرض من أطرافها! > بين القراءة والكتابة.. من تطاردين ويطاردك أكثر؟ - القراءة وصناعتها، الركض نحوها ومعها يجعلك إنسانا متألقا ومستوعبا لكل شيء حواليك، يجعلك تصافح الدهشة، وتمارس الجنون بعقل، وتغرق في المعاني بنهم. > ركضك بين الحروف، كيف كانت حركة ساقيك بين المعاني؟ - كخطوات بلقيس على صرح سليمان والمعاني لجة! > أنت والاسئلة، من يحمل الدهشة للآخر أكثر؟ - من يصمت في النهاية...! الصمت قارء مدهش وكتاب ممتع! > لماذا تشعرين أن حياة واحدة لا تكفي؟ - لأنها قليلة وأنا أحب الكثافة.. والكثافة قراءة. > الصدق والإخلاص في العلاقات العاطفية، هل أصبح ضربا من خيال؟ - تحدث زيجمونت باومان في كتبه «الحياة السائلة والحب السائل» وصور بشكل مبهر تحول العلاقات من كونها صلبة عميقة في السابق، الى تحولها اليوم الى شيء سائل هش يبدأ في الصباح وينتهي في المساء، وهذا لا يعني أن نظريته (قاعدة) لكنها صحيحة، وعند بناء علاقة تبنى على أرض صلبة ليعود الحب إلى وهجه ويعيش الأوفياء بلا غربة. > الارتباط بمثقف هل يبشر بحروب صغيرة؟ ربما، لكن كما قلت حروب صغيرة لا تخرج من كونها اختلافات لا خلافات، وهذا من حظ الكاتب لأنها وقوده، وعلى كل كاتب أن يمتن لكل من يخالفه لأنه يثريه ويغذيه. > لمن تقولين: «لا تقرأني»؟ - للمتطرف للمتحرر للمتعصب فلن تسطع معي صبرا، ولن يفرح بك حرفي أبدا! > «طوابير الخبز» هل يرهقك جوع أصحابها؟ - إذا لم ترهقني فما الذي سيرهقني! لا تكتمل إنسانية الكاتب حتى يسدد لكمات لهذا العالم حتى يصحو. > ما الذي يفرض عليك كتابة رواية؟ - الرواية انفجار، قد لا نعلم عن حدوثه مبكرا، ولكن تسعد فوهة القلم حينها وتمطر الورق بويلات وحمم. > الموروث الديني حاضر بقوة في سطورك، هل ترين في ذلك إبداعا أم حاجة يفرضها السياق؟ - كما ذكرت هو حضور تلقائي لا يستأذن، لا أعرف كيف يراه القارئ، ولكنه نسق لا أتكلف فيه، وينساب كما يفرضه النض ويحكمه المشهد. > هل تستمتعين بخلق الشخصيات في رواياتك؟ هل تجدين متعة في تسيير حيوات أبطالك وفق رؤاك؟ - لا اعرف هل كل نقد يحمل هذا السحر، كتبت جلفزيز بهدف قلب الفكر المبجل للعادات والتقاليد، حتى يتحسس القارئ عقلة وعلى الشخصيات أن تشاركني هذه العملية الانقلابية، وإلا حكم الأموات الأحياء. > الحياة بالقرب من كاتب، ماذا يلزمها؟ - الكاتب يحتاج من يجمع له الوقت، والحياة بجانبه يلزمها الهدوء لأنه ضاج. > متى يكون كذب المثقف وزيفه صدقا ويقينا للآخرين؟ - عندما لا يقرأون إلا هو! > كيف ترين تعامل المجتمع مع النخبة الثقافية؟ - يحترمون النخبة إذا كانت كما يريدون، ويحاربونها إذا خالفت أفكارهم، وإن كانت على حق! > هل تتمنين وظيفة كاتب يوما ما؟ - الكتابة أرضي لا أعرف كيف تكون كوظيفة، أظنها وجدت بلا إطار يقيدها، ولا فضاء يضيق بها، أغبط من يمارسها كحياة دون حسابات معقدة! > هل صحيح أن احتراف المثقف يحرق أوراقه أكثر؟ - ربما تحترق أوراقه وربما يخرج بقصاصات لا تشبهه! > لماذا خسر الكثير من المثقفين وهجهم في الإعلام الجديد؟ - لأن الفضاء ممتلئ، واللغة تغيرت! > متى تشعرين بالغربة ثقافيا؟ - إذا لم أٌفهم وعندما أرفض التصنيف، المثقف يضيق بالمصطلحات والحدود! > هل يؤرقك أنه لابد من جديد ثقافي تقدمينه؟ - بالتأكيد على الكاتب أن يتوهج، بحيث لا يتكرر منتجه، والتكرار سقوط لا يغتفر! > من يمارس البحث عن تفاصيل المثقف في كتاباته، ماذا سيجد؟ - متاهات وتوهيمات، سيجد قصصا وينسج أخرى، كلها أصدق الكذب، وأكذب الصدق! > جنون المثقف الغربي يلفت نظرنا، بعكس الجنون الشرقي الذي نتهمه، لماذا؟ - لأنه غربي، وما زال مزمار الحي لا يطرب رغم كل شيء! > الحلال والحرام، والعرف الاجتماعي، هل تحد من ابداع المثقف؟ اطلاقا، وأظنها حجة واهية، وهروبا يمارس حين عجز! > أندية الكتاب ومشاريع القراءة، لماذا غناها في الصيت فقط؟ - لأن إنشاء نادي كتاب لا يحتاج سوى حساب في تويتر، أي شكل افتراضي ثم لقاءات يكون اسمك وتوقيعك أهم من المادة المقدمة ومن يقدمها! أتمنى من الهيئة العامة للثقافة النظر في أندية الكتاب، ألا يخرج نادي كتاب إلا بتصريح، وتقييم أعضائها وتقييم أنشطتها من فترة لأخرى، حتى لا تكون ضد القراءة بغير قصد. > القائمون على مشاريع القراءة، هل يقرأون جيدا؟ - حتى أكون صادقة صدمني واقع مشاريع القراءة، إلا ما ندر! > القراءة السريعة، وقراءة الطفل، برامج تدريبية للاستهلاك أكثر منه للفائدة؟ - على العكس هذه البرامج هي ثروة المجتمع الثروة الفكرية، قائمة على (علم القراءة)، وعلم القراءة متشعب جدا بين المختصين النفسيين وعلم نفس الطفل وعلماء المخ والأعصاب وعلماء النطق وخبراء القراءة ومعلميها، وهي دراسات لا تتوقف حتى هذه اللحظة، الهدف منها ليس تعليم القراءة بل تعليم حب القراءة وأن تكون وظيفة حياتية كالأكل والشرب، وكل شيء نجهله نشك فيه ومجتمعنا يجهل هذا العلم. > مدربة معتمدة، هل تحبين هذا الوصف لك؟ - إذا كنت أعنيه، الأوصاف ليست زينة بل مسؤولية! رسائل إلى: معرض كتاب تاقت إليك عجاف أنت يوسفها. دار نشر انشروا الكتب في مكتبات الفقراء لتزاحم الخبز اليابس وبيوت العنكبوت وذكرى الأنبياء. قاعة دراسية بين جدرانك المتعبة دسسنا أحلامنا حلما حلما، وانتزعنا من أحشائك النور علما علما، وشهدتِ حروبنا والسلم، من عاد منا وشكرك؟ منصة ثقافية إلى تلك الأرصفة الممتلئة بالكتب وقصص الأدباء والشعراء، وإلى صاحبها الطاعن في السن والعلم ولم يأبه له أحد، أنت المنصة الثقافية الحقيقية. الجامعات السعودية الدراسة حق لأبنائنا لا تجعلوه عظيما وهو عندكم هين. المثقف السعودي العيش الحقيقي هو التعايش أتقبلك وتتقبلني، أن تثمر الاختلافات عن توسع مدارك المجتمع لا أن نملأه بالشكوك غير المجدية، إن انتصر قلمك ظلما فلا أنبياء نشكو لهم (وعزني في الخطاب) إن اتفقنا رجعت الشياطين بخف حنين التي حملناها طويلا، فما رأيك في السلام؟ جدك لأمك رحيلك كاحتراق مكتبة.. لا تزال بيننا بروحك وطيفك. البرتو مانغويل لا أعرف كيف أصف (الرجل المكتبة) أي كرامة يتربع فيها في هذا العالم، رجل تحسر على المكتبات العربية أكثر من العرب؟ رجل يصنع القراءة ليصنع لنا الحياة. ملامح: - أعتقد أن أصدق سيرة ذاتية هي التي تكتب أو تذكر عندما يموت الإنسان لأن الأموات لا يحتاجون تزيينا. - نحن الأحياء نحشو أسماءنا بأسماء وأوصاف نطالب الناس بها التبجيل لنا، وكم من أشعث أغبر هائم في الأرض مدفوع بالأبواب لو نطق لألجمها حكمة ونورا. - ولدت في اللحظة التي كنت أتأمل جدي وهو يقرأ ولا يتوقف، ولدت مرتين في الزلفي وفي أبها وعشت الرياض. - يقال إني كاتبة ويقال إني روائية ولكني قارئة، درست أصول الدين وتعاركت مع كل المذاهب ثم استلقيت في المكتبة ابتغي السلام ووجدت السلام وكل أسبابه. - لم تعد تعنيني الأسماء ولا المذاهب ولا الألوان ولا الأجناس ما يعنيني هو الإنسان كإنسان، رحلت إلى إندونيسيا مع هيراتا في عساكر قوس قزح وعرفت معنى (التعليم). - أخذتني مايا انجلو إلى أنهار الحب العذبة وهي تتدفق من عذابات الحياة، ثرثرة إيزابيل الليندي تملأ مساءاتي، هربت مع مي زيادة إلى مصر، وبكيت أوجاعها مع واسيني الأعرج، عانقت كل حرف كتبته سوزان كين عن قوة الهدوء والانطوائيين، وكيف نعيش على وفاق مع عوالمنا الداخلية في عالم لا يتوقف عن الكلام، والكثير الكثير من أصدقائي في هذا العالم. - في السنتين الأخيرتين عكفت على كتب القراءة، تلقفتها كتابا كتابا ليثبت لي ألبرتوا مانغويل أنه عالم ممتد وصناعة ضربت في جذور التاريخ، لكننا نسينا الغار وهمسته. - عزمت على أخذ شهادة التدريب المعتمد في القراءة - صدرت لي ثلاثة كتب، لا تقرأني، جلفزيز، وطوابير الخبز. العبداللطيف: أندية القراءة صدمتني.. ولابد لوزارة الثقافة من التصريح لها قبل كل شيء.
مشاركة :