طوكيو - قد يكون سقوط كارلوس غصن، رئيس مجلس إدارة مجموعة رينو- نيسان، المذهل يخفي “انقلابا” دبرته الشركة اليابانية ضد منقذها لتفادي المضي أبعد في تحالف مع شركة السيارات الفرنسية، برأي بعض المحللين في القطاع. وعكست الصحافة اليابانية في الأشهر الأخيرة شعورا من النقمة، ولا سيما بعد ورود شائعات في الربيع عن انصهار المجموعة التي تشكلت عام 1999، وهو احتمال لا يلقى التأييد في اليابان. بدأت قضية توقيف غصن تتسع مؤخرا في اليابان، مع كشف وسائل الإعلام عن معلومات جديدة تضاعف التهديد لإمبراطورية “رينو نيسان ميتسوبيشي موتورز”، خصوصا وأن توازن التحالف الثلاثي قائم على ما يبدو على رجل واحد. ولا يزال غصن (64 عاما) المتهم بالتهرب الضريبي من خلال عدم التصريح عن قسم كبير من مداخيله الهائلة، موقوفا رهن التحقيق في مركز احتجاز في طوكيو وذلك غداة اعتقاله لدى نزوله من طائرته الخاصة. وخرجت الخلافات إلى العلن، الاثنين، حين قام رئيس مجلس إدارة نيسان هيروتو سايكاوا بتفكيك إرث غصن، رغم أنه كان مُنقذ شركة السيارات اليابانية من الإفلاس. توقيف كارلوس غصن يثير مخاوف من اهتزاز أكبر مجموعة لصناعة السيارات في العالم ولفت كريستوفر ريشتر، محلل قطاع صناعة السيارات في شركة “سي.أل.أس.أي”، إلى أنه بعدما حصد غصن الكثير من الإشادات على مدى سنوات على عمله، قام سايكاوا بتغيير الرواية كليا، “واصفا النهوض بالشركة على أنه ثمرة عمل مجموعة كبيرة من الأشخاص”. وأشار الخبير كذلك إلى أن سايكاوا نعت غصن بأنه “رأس التركيبة”، مضيفا “وجدت هذا الكلام في غير محله طالما لم يتم التثبت تماما من الوقائع”. غير أن هذه النبرة تكشف أن التوتر يعود إلى أبعد من تلك السنة. وكتب ديفيد فيكلينغ، في وكالة بلومبرغ نيوز، أن الخلافات “كانت تعتمل خفية خلال السنوات الأخيرة، وخرجت أخيرا على الملأ بصورة مباغتة”. وأشار المحلل الياباني كينتارو هارادا إلى أن القضية جاءت في وقت كان فيه المسؤول الأول عن المجموعة الأكبر في عالم السيارات (عشرة ملايين سيارة) يعمل على تثبيت التحالف بين رينو ونيسان بشكل “لا رجعة فيه”. وأضاف “لا يمكن استبعاد إمكانية أن يضعف التحالف”، متسائلا “هل أن ذلك سيغير توازن السلطة (بين الجانبين الفرنسي والياباني)؟ هذا هو السؤال الرئيسي”. والأمر بالغ الحساسية خصوصا وأن الدولة الفرنسية تملك 15 بالمئة من رأسمال رينو. وتابع الخبير أن الجانب القضائي من القضية يثير أيضا “العديد من التساؤلات”، مضيفا “لماذا لم يتم اكتشاف عمليات الاختلاس إلا في هذا التوقيت، وكيف تمكّن غصن وغريغ كيلي (مسؤول آخر في نيسان موقوف) من تزوير وثائق وحدهما؟”. Thumbnail جعلت هذه الشكوك هيروتو سايكاوا يواجه أسئلة عن “انقلاب”، وهو رأي عبّر عنه أيضا الأستاذ في جامعة مايجي في طوكيو نوبوتاكا كازاما بالقول “قد يكون تم التخطيط له على أمل التصدي لعملية اندماج تبادر إليها رينو”. وأوضح ريشتر “يبدو أن هناك إحساسا بالإحباط ومخاوف لدى الإدارة”، معتبرا أن “نيسان تتوق إلى الاستقلالية”. وبدأ تعاون غصن مع نيسان في وقت كانت الشركة الحلقة الأضعف في المجموعة وتعاني من ديون باهظة، غير أن غصن تمكّن من النهوض بها من خلال عملية “إعادة هيكلة” صارمة. وإن كانت الشركة قد أضعفتها مؤخرا فضائح على ارتباط بعمليات الكشف على السيارات في اليابان، إلا أن حساباتها المالية تبقى متينة. أما بالنسبة للسلطات اليابانية والفرنسية، فقد أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ووزير الصناعة الياباني هيروشيجي سيكو على أهمية الحفاظ على “استقرار التحالف” الذي قام على توازن هش بات مهددا إذا لم ينج كارلوس غصن من هذه الفضيحة. وجه سايكاوا عبارات قاسية لعرابه السابق فقال إنه سقط لأنه استأثر بالسلطات أكثر مما ينبغي. وقال “إنها مشكلة أن تكون كل هذه السلطة ممنوحة لشخص واحد”، منددا “بالجانب المظلم في عهد غصن”. وتكون مساهمة نيسان كل سنة في نتائج شريكها الفرنسي كبيرة، ما يثير استياء لدى الموظفين اليابانيين، ولا سيما لدى رؤيتهم شركة رينو تستفيد من التقنيات وقسم من الأرباح ومن إنتاج بعض نماذج السيارات، مثل سيارة ميكرا الصغيرة المصنوعة في فرنسا، على ما أوردت الصحافة الصينية على مرّ السنين. Thumbnail وازداد الاستياء عام 2015 حين دخلت الدولة الفرنسية بصورة مؤقتة إلى رأسمال رينو، في عملية أثارت القلق لدى نيسان، وحدد غصن مهمة لنفسه توطيد التحالف. وتملك رينو 43 بالمئة من رأسمال نيسان التي تملك في المقابل 15 بالمئة من الشركة الفرنسية. وتساءل فيكلينغ حول ما إذا كانت هذه التغييرات ستكون كافية لكبح التوتر، قائلا “من الواضح منذ وقت طويل أن نيسان لا تريد تغييرا لا يعكس موقعها المحوري في المجموعة”. وفي هذه الأوضاع المضطربة، يبدو أن رئيس مجلس إدارة نيسان الجديد اغتنم الفرصة للتخلص من نموذج شراكة بات مربكا. ولخص هانس غرايمل الخبير في صحيفة أوتوموتيف نيوز، العامل في اليابان، أن “سايكاوا يستخدم بشكل واضح الاتهامات ضد غصن لزيادة وزنه داخل نيسان وترك بصماته على الشركة”. كذلك انقلبت شركة ميتسوبيشي موتورز على الرجل الذي أنقذها من السقوط عام 2016. وحدها شركة رينو، وهي الأكثر تضررا من القضية التي تطال رئيس مجلس إدارتها، بقيت على حذرها في الوقت الحاضر. لكن حتى لو أنها لم تدفع في اتجاه رحيل غصن، إلا أنه قد يجد صعوبة في البقاء على رأسها. وبعد أن كان موضع إشادة لإنقاذه نيسان من الإفلاس في أوائل سنوات 2000 ثم بعد ذلك لإنقاذه ميتسوبيشي موتورز، بموازاة إقامته تحالفا متينا مع مجموعة رينو الفرنسية، بدا الثلاثاء أنه تم التخلي عن كارلوس غصن. وفي مقر نيسان في يوكوهاما بضواحي طوكيو بدا الموظفون مذهولين. وقال أحد الموظفين لصحيفة نيكاي “الأمر لم يكن البتة متوقعا، لا أدري ما أقول”، مضيفا “الأمر يأتي في أسوأ توقيت” بعد فضيحتين متتاليتين طالتا نيسان نتيجة خلل في الكشف عن السيارات في اليابان.
مشاركة :