رود خوليت، فرانك رايكارد، باتريك كلويفرت، إيدجار دافيدز، كلارنس سيدورف، وغيرهم أتوا من جزيرة سورينام التابعة لهولندا، والتي تقع شمال أميركا الجنوبية، وتجمعها حدود مشتركة مع البرازيل، صحيح أن سورينام لا يتجاوز عدد سكانها نصف مليون نسمة، إلا أنها قدمت للعالم ولهولندا على وجه التحديد مواهب كروية تجعلها بمثابة المزرعة التي تغذي مصانع هولندا الكروية، ومع كل هؤلاء النجوم السابق ذكرهم جاء النجم الأكثر تأثيراً في الكرة الهولندي في الوقت الراهن فيرجيل فان دايك، الذي يحمل جينات سورينام «بلد الأم»، لتتأكد بصمة البلد الفقير في جعل بلد الزهور ثرية كروياً. قبل ساعات من الموقعة التاريخية في دوري الأمم الأوروبية بين ألمانيا وهولندا، التي أقيمت في فيلتينس آرينا، وانتهت بالتعادل 2-2، وتأهل هولندا إلى المربع الذهبي على حساب بطلي العالم لعامي 2014 و 2018، كشف المدافع والقائد فان دايك عن شخصيته الحقيقية، حينما قال: «لست راموس»، في إشارة إلى أنه يقوم بجميع مهام قلب الدفاع بأعلى كفاءة ممكنة، ولكن بطريقته الخاصة التي لا تتطلب أن يبدو عليه الحماس المفرط، أو الروح القتالية التي ترقى إلى حد العنف في بعض الأحيان. ويملك فان دايك سمات القيادة داخل الملعب، حتى إذا لم يكن يحمل الشارة، وهذا ما يفعله مع فريقه ليفربول منذ اليوم الأول لالتحاقه بصفوفه، وفي المقابل لم يتردد رونالد كومان المدير الفني لمنتخب هولندا في منحه شارة القيادة في مارس الماضي، تاركاً له كافة مهام ومسؤوليات التوجيه داخل الملعب، لتبدأ رحلة عودة هولندا الجميلة بعقل كومان خارج الملعب، ورؤية فان دايك داخل المستطيل الأخضر. بتسديدة واحدة في الدقيقة 90 نجح فان دايك في كتابة تاريخ جديد للكرة الأوروبية، فقد أسقط بهذا الهدف التاريخي بألمانيا بطل مونديال 2014، وجعل عام 2018 الأسوأ في تاريخ الكرة الألمانية على المستويات كافة، كما أطاح بمنتخب فرنسا بطل مونديال روسيا 2018 من سباق التأهل للمربع الذهبي لدوري أمم أوروبا، وفي الوقت ذاته أعاد هولندا الجميلة إلى الحياة من جديد، أي أن قائد المنتخب الهولندي أسقط قوى كروية وأعاد قوى أخرى إلى دائرة الضوء بعد سنوات من التعثر. فان دايك هو المدافع الأغلى في تاريخ كرة القدم، فقد انتقل لصفوف ليفربول في شتاء 2017 قادماً من ساوثهامبتون مقابل 84 مليون يورو، وهي الصفقة التي أثارت ضجة هائلة، وتسببت في الهجوم على يورجن كلوب، الذي أصر على التعاقد معه مهما كان المقابل المالي، ليبرهن النجم الهولندي البالغ 27 عاماً مع مرور الوقت، أنه يستحق لقب المدافع الأغلى في تاريخ كرة القدم، فهو المدافع الموهوب الذي يحمي ظهر فريقه بكفاءة لافتة، ويشارك في بناء الهجمات من الخلف بفضل مهارته في التمرير الدقيق، وفضلاً عن ذلك يتقدم للتسجيل حينما يستدعي الأمر ذلك، فقد أحرز 33 هدفاً. أما عن قصة نجاحه في كتابة جزء من تاريخ الكرة الأوروبية الحديثة، فإن ذلك يتعلق بقيادته لفريق ليفربول لنهائي دوري الأبطال في نسخته الماضية، بعد غياب الريدز لسنوات طويلة عن مشاهد الصدارة، كما أن الفريق الإنجليزي أصبح منافساً حقيقياً على لقب الدوري في عهد فان دايك ورفاقه صلاح وماني وفرمينيو، وفضلاً عن ذلك فقد تمكن النجم الهولندي من أخذ منتخب بلاده إلى المربع الذهبي لدوري أمم أوروبا على حساب فرنسا وإسبانيا، والأهم أن هولندا الجميلة عادت من جديد بفضل جيل جديد يقوده فان دايك. بالعودة إلى المباراة التي شهدت دراما مثيرة بعد تسجيل هولندا للهدفين بين الدقيقتين 85 و 90، فقد كان للورقة التي كتبها دوايت لوديفيجيس مساعد كومان مفعول السحر في تحويل دفة المباراة، وهي الورقة التي تحمل توجيهاً تكتيكياً يقضي بتقدم فان دايك ليصبح رأس حربة صريحاً، استغلالاً لطول قامته في الضربات الرأسية، وقدرته على تشكيل الضغط في الدقائق الأخيرة على الدفاع الألماني، وكانت المفاجأة في الدقيقة 90 حينما نجح فان دايك في تسجيل التعادل، بتسديدة تم توجيهها بطريقة أمهر المهاجمين. وتفاعلت الصحافة الهولندية مع التعادل المثير والتأهل التاريخي بطريقتها الخاصة، التي تعكس حساسية العلاقة التاريخية بين هولندا وألمانيا سياسياً وكروياً وعلى المستويات كافة، فمن المعروف أن الألمان لا يدخرون قطرة عرق للفوز على الهولنديين، وفي المقابل يفعل الهولنديون كل شيء للإطاحة بالألمان، فقد عنونت صحيفة AD الهولندية الشهيرة: على حساب الألمان، في إشارة إلى أن التأهل جاء بعد التعادل مع ألمانيا وتعميق جراحها، بعد التراجع إلى المركز الأخير.
مشاركة :