منع الصراعات بعد 100 عام على إنهاء الحرب العالمية الأولى

  • 11/21/2018
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

وافق الأسبوع الماضي مرور 100 عام على انتهاء الحرب العالمية الأولى. مائة عام منذ الهدنة التي شجعت الأطراف المتحاربة على الكف عن الاقتتال والسعي إلى إحلال السلام. وما زال كثير منا - نحن المحظوظين - ينعمون بالسلام. فنحن نذهب إلى العمل، وإلى المدرسة، وإلى الملعب، وإلى المتجر والمطعم ونحن نشعر جميعا بالأمن والأمان، ولكن ليس الحال كذلك لكثير من الناس في شتى بقاع الأرض. فالحروب ما زال أوارها يضطرم في سورية واليمن والعراق، والصراع العنيف يعكر صفو المجتمعات المحلية في كل منطقة من مناطق المعمورة. وفي هذا الأسبوع أيضا، تجمع قادة العالم في فرنسا - المكان الذي جرى فيه توقيع اتفاقية الهدنة عام 1918 - لحضور منتدى باريس للسلام. إنهم يحتفلون بالمناسبة، لكنهم يعملون أيضا لمعالجة التوترات الدولية التي تثير الاضطرابات في يومنا وعصرنا هذا، وتهدف المبادرات التي تطرح إلى الحيلولة دون وقوعها: التعاون في مكافحة تغير المناخ، وشح الموارد، والعولمة والابتكارات التكنولوجية، ومؤسسات لتوجيه التنافس بين القوى الكبرى وإدارة المنافع العامة العالمية، والعدالة لرد المظالم وتبديد مشاعر الإحباط وخيبة الأمل، والإجراءات التنظيمية لمعالجة التفاوتات وإساءة استخدام السلطة، وبناء السلام والأمن. شاركت في المنتدى أمس مع زملائي الآخرين من البنك الدولي، وسلطت الضوء على محنة فئة من الناس حيث أدى الصراع والهشاشة إلى تفاقم الأوضاع العصيبة التي يعيشون فيها بالفعل، ألا وهم فقراء العالم. فبحلول عام 2030، من الممكن أن يعيش زهاء 50 في المائة من فقراء العالم في بلدان تعاني الهشاشة والصراع والعنف، وعدد اللاجئين والمهجرين والنازحين داخليا بلغ أعلى مستوياته منذ الحرب العالمية الثانية. وفي عالم يزداد ترابطا، سرعان ما تنتشر فيه الأحداث التي تنشأ في إحدى بقاع المعمورة إلى البقاع الأخرى، تنذر هذه التحديات بإفساد الجهود الرامية إلى الحد من الفقر، وتعزيز الرخاء المشترك. وللتغلب على هذه التحديات - في البلدان الفقيرة وعلى نحو متزايد في البلدان متوسطة الدخل المتضررة - يعكف العاملون منا في مجالات التنمية، والحلول الإنسانية والأمنية للهشاشة والصراع والعنف، على وضع نُهج جديدة، من بينها التركيز على الوقاية، واستخدام أدوات جديدة، منها أدوات تمويل جديدة، وتفعيل شراكات جديدة لتحقيق ما نصبو إليه من نتائج على نحو أكثر فاعلية في البلدان والمجتمعات المحلية. فماذا يعني ذلك؟ إننا نعرف من تقريرنا الرئيس مع الأمم المتحدة المعنون "سبل إلى السلام"، أنه مقابل كل دولار يستثمر في مجال الوقاية، يمكننا توفير نحو 16 دولارا. وهكذا، يمكننا بالتركيز على الوقاية توجيه مزيد من مواردنا إلى نواتج التنمية المستدامة، بدلا من الاستجابة باستمرار لحالات الطوارئ. واليوم، نعمل على تطبيق النتائج التي خلص إليها تقرير "سبل إلى السلام"، واستثمار المزيد في معالجة المخاطر العالمية - الصراعات والكوارث الطبيعية والمجاعات وغيرها - قبل أن تتفاقم وتتحول إلى أزمات حقيقية مستعرة، ونحن نستخدم أدوات جديدة لتحقيق ذلك. ومن بين الأمثلة على هذه الأدوات نظام تخفيف المخاطر، الذي يقدم مليار دولار تمويلا من المؤسسة الدولية للتنمية التابعة للبنك الدولي، من أجل البرامج التي تستهدف تحديدا عوامل الخطر التي تنذر بإذكاء الصراع. في النيجر - على سبيل المثال - نقوم بتعبئة تمويل من نظام تخفيف المخاطر لتحسين الفرص الاقتصادية للشباب والنساء في المناطق المتضررة من الصراع. ومن خلال التعاون الوثيق مع الحكومة، نعمل على تحسين البنية التحتية للنقل في المناطق الريفية، والحفاظ على الطرق الموصلة إلى الأسواق لخدمة المجتمعات الزراعية. ومن خلال هذا المشروع، نهدف إلى مساندة الحكومة في معالجة الاختلالات والمظالم، وتقديم الخدمات في الأقاليم، وتعزيز الإدارة السلمية للموارد، وتحسين مصادر كسب الرزق للفئات المهمشة، وكلها عوامل قد تعني الفرق بين الحرب والسلام. وإضافة إلى النيجر، نعمل على تعبئة تمويل من نظام تخفيف المخاطر في غينيا ونيبال وطاجيكستان. ومما يدعم هذا النهج الجديد في الوقاية من الصراعات، والأدوات التي نستخدمها لإنجاحه - الاقتناع الراسخ بأن الشراكات ضرورية، ويجب أن تصبح الوضع المعتاد الجديد إذا أردنا منع نشوب الصراعات، وبناء المرونة والقدرة على مجابهة الأزمات، والحفاظ على السلام في عالم يزداد تعقدا يوما بعد يوم. ولذلك، نسعى إلى الحد من التشرذم، ونعمل بشكل وثيق مع الجهات الفاعلة في بناء السلام والأوساط الإنسانية والأمنية في بلدان مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية؛ لتوطيد الشراكات مع منظمات هي الأقرب إلى أرض الواقع، ويمكنها تنفيذ برامج تراعي ظروف الصراع. وفي جمهورية الكونغو الديمقراطية، نقوم بالتحضير لتوسيع نطاق عملنا في منطقة شمال كيفو المتأثرة بالصراع، عن طريق بناء شراكات مع الأمم المتحدة، ولا سيما بعثة حفظ السلام التابعة للمنظمة الدولية؛ للمساعدة على توفير الخدمات اللوجستية والأمنية التي نحتاج إليها لتقديم مساندة إنمائية في أشد البيئات صعوبة. ويجري العمل في هذا الإطار في كثير من البلدان الأخرى. وحظيت مبادرتان يمولهما البنك الدولي بالإشادة خلال منتدى باريس للسلام: مشروع "النهوض" في جمهورية إفريقيا الوسطي، ويتيح تهيئة فرص عمل مؤقتة للمحرومين في أنحاء البلاد. ويقترح التقرير، الذي نشر في 2017 تحت عنوان "تحقيق التنمية: التمويل العام والقطاع الأمني"، وأعده البنك الدولي في شراكة مع إدارة عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة - إطارا لتحسين إدارة النفقات العامة والسياسات لتمكين مؤسسات التمويل والمسؤولين الأمنيين والعسكريين من العمل معا على نحو أفضل في تخطيط الموازنات، والإدارة المالية العامة، والمساءلة المالية، والرقابة على أنظمة الدفاع والشرطة والعدالة الجنائية. وبعد مرور 100 عام على انتهاء الحرب العالمية الأولى، وعلى الرغم من المكاسب الكثيرة التي تحققت، ما زال العالم يعاني ويلات الصراع. وعلينا مسؤولية جماعية للعمل من أجل تعزيز السلام والرخاء، بالالتزام بمساندة أبناء أوطاننا - وعلى نحو متزايد فقراء العالم - الذين لا يزالون محصورين في شراك الهشاشة. وفي البنك الدولي، نقوم بإعداد مبادرات وأدوات وشراكات جديدة للتصدي لهذه التحديات. ومنتدى باريس للسلام تذكرة لا بالاحتياجات الهائلة فحسب، وإنما أيضا بأنه يوجد تحالف عالمي من البلدان والمنظمات ومؤسسات الأعمال والمواطنين الذين يعملون أيضا معا بطرق جديدة لإحلال سلام دائم.

مشاركة :