ينذر فرار الشركات الأجنبية من مصر بسبب الاضطرابات الأخيرة برفع معدلات الشغور في المكاتب والمراكز التجارية وقد يدفع المستثمرين الدوليين لتحويل أموالهم إلى قطاع العقارات في منطقة إفريقيا جنوب الصحراء. ووفقاً لـ "رويترز"، فقد اعتبر مختصون عقاريون أن ضعف الطلب يعني أن مستثمري العقارات قد يتركون سوق الاستثمار العقاري الوحيدة التي كانت قابلة للنمو في شمال إفريقيا ويستعيضون عنها بالمدن المستقرة نسبيا في منطقة إفريقيا جنوب الصحراء. وأشار أحمد بدراوي العضو المنتدب لشركة السادس من أكتوبر للتنمية والاستثمار "سوديك" إحدى كبرى شركات التطوير العقاري في مصر إلى أن الطلب على المساحات المكتبية من الطراز الأول تلاشى تقريبا بين عشية وضحاها. و"سوديك" هي صاحبة مشروع إيستاون في القاهرة الجديدة الذي يتضمن إنشاء مكاتب ومتاجر ومنازل على مساحة تعادل مثلي مساحة منطقة كناري وارف في لندن التي تبلغ 97 فدانا. وتضم قائمة الشركات التي خفضت أو عطلت عملياتها في مصر أو صفت أعمالها أو سحبت موظفيها في الأشهر الماضية شركة أباتشي كورب وشيفرون وجنرال موتورز وإلكترولوكس وباسف وبي.جي جروب وبي.بي. وفي الآونة الأخيرة جرى استكمال مجموعة من المشاريع التي سعى أصحابها للاستفادة من نقص المكاتب العالية الجودة في القاهرة ولا تزال بعض المشاريع الأخرى قيد الإنشاء ولكن تظل هناك شكوك بشأن احتمالات شغلها. وقالت شركة جونز لانج لاسال للاستشارات العقارية في حزيران (يونيو): إن نحو 25 في المائة من أفضل المساحات المكتبية في القاهرة شاغرة وهي نسبة تشير إلى أنها ستزيد بقدر غير محدد، وفي المقابل تصل هذه النسبة إلى 7 أو 8 في المائة في وسط باريس أو لندن. وأظهرت بيانات من شركة نايت فرانك للاستشارات العقارية أن إيجارات أرقى المكاتب في القاهرة تراجعت إلى 40 دولارا للمتر المربع شهريا من 50 دولاراً منذ عام 2009 بينما هبطت إيجارات مساحات التجزئة إلى 100 دولار للمتر المربع شهريا من 150 دولارا، ويؤكد بيتر ولبورن العضو المنتدب لمنطقة إفريقيا بشركة نايت فرانك أنه إذا انتهت فترات إيجار المكاتب في القاهرة وكان المستأجرون يتطلعون إلى تجديدها فستكون هناك بعض النقاشات الصريحة للغاية مع المالك وأتوقع أن يكون هناك تأثير كبير على الاتفاقات الجديدة، وأن المستأجرين قد يسعون لخفض الإيجار بمقدار يراوح بين الثلث إلى النصف. وذكر مختصون عقاريون أنه لا توجد بيانات عن الاستثمار الأجنبي في العقارات المصرية، ولكن التدفق الذي شهدته الأعوام الأخيرة توقف منذ الحملة الأمنية. وقادت الصناديق الجنوب إفريقية عمليات شراء المباني القائمة في مصر إذ اجتذبتها العائدات أو نسبة الإيجار من قيمة العقار التي تبلغ نحو 7 في المائة مقارنة بنحو 5 في المائة في الإمارات العربية المتحدة، ومن بين المشترين صناديق مرتبطة ببنك راند ميرشانت وبنك ستانبيك وهو وحدة تابعة لمصرف ستاندرد بنك. وفي الوقت نفسه تقول حبيبة حجاب المحللة في بنك بلتون فاينانشيال للاستثمار الذي يتخذ من القاهرة مقرا له: إن بعض شركات التطوير العقاري في الخليج سعت إلى الاستفادة من نقص المراكز التجارية والمكاتب العالية الجودة، وتواجه الآن خطر المعاناة والتضرر من تداعيات وفرة المعروض، ومن بين هذه الشركات إعمار العقارية أكبر شركة للتطوير العقاري في دبي التي تنفذ مشروع أب تاون كايرو الذي يضم مجموعة فاخرة من المنازل والفنادق وملاعب الجولف في هضبة المقطم المطلة على العاصمة. وعلى هذه القائمة أيضا شركة ماجد الفطيم المتخصصة في بناء مراكز التسوق ومقرها دبي ومجموعة داماك المملوكة ملكية خاصة في الإمارة إلى جانب شركة ديار القطرية المملوكة للدولة. وتقول "إعمار": إن مصر لا تزال سوقا رئيسية وإن عملياتها مستمرة هناك وفق الخطط الموضوعة، فيما رفضت شركتا ماجد الفطيم وداماك التعليق، بينما لم يتسنَ الحصول على تعقيب من "ديار" القطرية. ويختلف الوضع تماما عما كان عليه قبل بضعة أعوام عندما كانت شركات البيع بالتجزئة وشركات تطوير مراكز التسوق تتطلع للاستفادة من سكان مصر البالغ عددهم أكثر من 85 مليون نسمة معظمهم من الشباب الذين يتوق كثيرون منهم إلى أنماط التسوق الغربية ومن ثم تبني مراكز تجارية ضخمة على غرار تلك الموجودة في دبي. ويعني حظر التجول في مدينة يستمتع سكانها بالتسوق ليلا أن كثيرا من بائعي التجزئة يعدلون خططهم، وتشير تقديرات شركة جونز لانج لاسال الاستشارية إلى أن نسبة الشغور في مراكز التسوق البالغة 25 في المائة حاليا سترتفع مع استكمال مزيد من المشاريع. وتؤكد مصادر من قطاع العقارات أن المحادثات الرامية لجلب علامات تجارية فاخرة مثل هارودز وجوتشي وبرادا إلى مصر معلقة أيضاً، حيث يقول ولبورن من نايت فرانك: إن مصائب مصر فوائد لمنطقة إفريقيا جنوب الصحراء، مشيرا إلى مدن مثل لوساكا في زامبيا وأكرا في غانا ولاجوس في نيجيريا ونيروبي في كينيا. وأضاف أنه ثمة كثير من الأموال الخليجية تبحث عن مكان لها في شمال إفريقيا ومنطقة إفريقيا جنوب الصحراء، وأعتقد أنكم ستشهدون الآن مزيدا من التوجه لمنطقة إفريقيا جنوب الصحراء. ويعد قطاع الإسكان في مصر أكثر مرونة ويمكنه أن يخفف من الضربة التي تلقتها شركات التطوير العقاري القادرة على تحويل مشاريعها، حيث أوضح بنك إتش.إس.بي.سي في مذكرة في وقت سابق هذا العام أن الناس يستثمرون في قطاع الإسكان للحفاظ على ثرواتهم ويساعدهم على ذلك انخفاض قيمة العملة وتقلب البورصة، وتضيف جونز لانج لاسال أن أسعار شراء الوحدات السكنية وإيجاراتها زادت 8 في المائة في الربع الثاني مقارنة بعام 2012. ومن بين الشركات العقارية التي تعيد تصميم مشاريعها على عجل شركة سوديك التي قللت مساحات المكاتب والتجزئة في مشاريعها إيستاون، وهو ما عبر عنه بدراوي بقوله: إن الشركة ستتخذ من المساحات السكنية مجالا لها لبعض الوقت. وأضاف ولبورن أنه كان من المفترض أن يتمخض "الربيع العربي" عن مستوى أعلى من التواصل بين رجل الشارع والساسة ولكنه أدى في الواقع إلى إبعاد المستثمرين الأجانب.
مشاركة :