الظاهرة البشرية والمعلمة الفذة.. إرادة المتعلم وعطاء المعلم

  • 11/22/2018
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

الإهداء إلى كل معلم/معلمة يكافح في الميدان مع فلذات الأكباد مع التحية. ليست المرة الأولى التي أقرأ فيها عن المعجزة البشرية هيلين كيلر، تلك الظاهرة التي تغلبت على العديد من الصعوبات بفضل عزيمتها وقوة إرادتها، فانتقلت من مسمى الفتاة الصماء البكماء العمياء إلى المعجزة البشرية، لكنها المرة الأولى التي أقرأ فيها بتوسع عن معلمتها التي ساعدتها وأخذت بيدها وساندتها ونقلتها من عالم الجماد البشري الذي لا يفقه ولا يدرك إلى عالم الأنسنة، تمكنت هيلين بمساعدة معلمتها الفذة آن سوليفان من أن تتقن القراءة بطريقة برايل، وأن تستمتع بما حولها عن طريق حاسة الشم واللمس والإدراك، وصل الأمر بهيلين أن استطاعت مواصلة حياتها الجامعية وألفت 16 كتاباً، كما أنها تحدت نفسها وتمكنت من إصدار الأصوات ومن ثم نطق الكلمات ثم تمكنت من الكلام وهي لا تسمع صوتها. ألفت هيلين العديد من المقالات وألقت الكثير من المحاضرات، كما شاركت بإنشاء العديد من المراكز لخدمة المعاقين من فئة الصم والمكفوفين، وكرمت بالعديد من الجوائز والشهادات، تستحق هيلين التوقف عند سيرتها وإنجازاتها، لكن المعلمة آن أيضاً ظاهرة غير مسبوقة، تخلت عن حياتها وانتقلت للحياة بجانب تلميذتها، اختارت أن تكون معها ترافقها وتساندها وتتحدى معها العوائق والصعوبات، وهي -المعلمة آن – لم تكن حياتها سهلة وبسيطة، فقدت والدتها مبكراً ونشأت في دار للأيتام وتحملت صعوبة الظروف وضراوتها، كانت تشكو من علة في نظرها ولم يلتفت أحد لشكواها، ثم فقدت بصرها ونتيجة لذلك تعلمت القراءة بطريقة برايل والطباعة على الآلة، ثم استعادت بصرها في مرحلة ما لكن كان أضعف، وعلى رغم ذلك لم تتوان في بذل الجهد لتلميذتها هيلين وكتابة المحاضرات وتلخيصها لها ثم شرحها لها لتمكن من استيعابها. هيلين كيلر أول شخص كفيف أصم يتلقى تعليماً كاملاً حتى المرحلة الجامعية، كما أنها اعتبرت حدثاً تعليمياً، كذلك المعلمة الأسطورة آن سوليفان التي ابتكرت وطبقت وسبقت معظم النظريات الحديثة التي ينادى بها اليوم، وتغلبت على كل الصعاب لم تأخذ حقها من الذكر ولا الكتابة عنها، على رغم أنها لا تقل شأناً ومكانة عن تلميذتها هيلين كيلر. عندما التقت (هيلين) بمعلمتها (آن) وهي في عمر السابعة، وكان عمر معلمتها 21 عاماً، بدأت سوليفان تبتكر طرقاً جديدة للتواصل مع هيلين بعد أن انتقلت لتعيش معها، كانت تضغط على يد هيلين بنظام معين بحيث يمكن نقل الأفكار والرسائل إلى الطفلة، سهل الأمر أن الطفلة حادة الذكاء، وبعد مرور عام تعلمت هيلين 900 كلمة، واستطاعت دراسة الجغرافيا بواسطة خرائط صنعت على أرض الحديقة، كما درست علم النبات، وفي سن العاشرة تعلمت هيلين قراءة الأبجدية الخاصة بالمكفوفين وأصبح بإمكانها الاتصال بالآخرين عن طريقها. تقول هيلين في كتاب لها: «لم تكن الصدفة هي التي حررت عقلي من قيوده، بل ان هذا يعود إلى الى معلمة موهوبة هي آن سوليفان، فلم تكن هذه المعلمة من طراز المعلمات العاديات، وإنما كانت امرأة شابة ذات حيوية ولها خيال منطلق يتلمس تحقيق أحلام كبيرة لكائن أعمى وأصم، لينقله من حياة السكون إلى الحياة الحقيقية ويجعله نافعاً وإنساناً فريداً». عبرت هيلين كيلر في أكثر من مناسبة وأكثر من كتاب عن مدى حبها وتعلقها بمعلمتها آن سوليفان، فقد كتبت في أحد كتبها: «علمت أن العمى عمى القلب وليس البصر، ولو قدر لي أن أبصر ثلاثة أيام سيكون أول شيء أنظر اليه هو وجه أستاذتي ومعلمتي (آن)، لا أريد أن تكون رؤية عابرة لا تتعدى مجرد الملامح البارزة لأسارير وجهها لمجرد الاحتفاظ بذكراها في مخيلتي فقط، ولكني أريد أن أدرس الوجه درساً، أريد أن أدرس ملامح الوجه لأقرأ فيه الشاهد الجلي على ذلك الود والصبر. الصبر الذي كانت تتحلى به وهي تقوم بمهمتها الشاقة من أجل تربيتي وتعليمي، أريد أن أرى عينيها المليئتين بالعزم والقوة التي تقف وقفة أثيرة وشهمة وحازمة أمام سائر الصعاب التي واجهتني. أريد تأمل عينيها المليئتين بالرحمة والشفقة لجميع أفراد البشر. منذ البداية أخذت المعلمة أن على نفسها وعداً بأن تخرج هذه الفتاة العمياء، الصماء، البكماء إلى النور فلم تكن مهمتها سهلة بل شبه مستحيلة». تقول المعلمة آن: «أعلم أن تعليم هذه الطفلة سيكون أهم حدث في حياتي». أدركت أن تلميذتها تمتلك قدرات متميزة وقررت أن تطور هذه القدرات لتعيد رسمها مرة أخرى، كان لديها إيمان راسخ بأن الإنسان مهما كان لديه إعاقات وعاهات يستطيع أن يتعلم ويصبح عادياً. ظلت المعلمة آن سوليفان ترافق تلميذتها النجيبة هيلين كيلر لمدة 15 عاماً، ترافقها في الصف وتنقل لها المحاضرات والدروس عن طريق اللمس، تكتب لها على كفها الكلمات والجمل، وتقرأ لها عن طريق اللمس وتلخص لها دروسها. إننا أمام نموذجين عظيمين: التلميذة هيلين والمعلمة آن. فلو لم تكن المعلمة أن سوليفان في طريق هيلين لما كانت هناك معجزة بشرية اسمها هيلين كيلر، معلمة تتفانى في خدمة طفلة لا تربطها بها أي رابطة سوى رابطة الإنسانية، تعمل بكل قواها وعقلها وحواسها حتى فقدت بصرها من كثرة القراءة لهيلين، عملت طوال عمرها بهذا التفاني ومن دون أن تتقاضى أجراً ولا أي مقابل مادي نظير ما عملت به.

مشاركة :