"عمود البيت" الترابط الأسري ينتصر على التطرف

  • 11/22/2018
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

يعود المخرج الكويتي غافل فاضل بعد انقطاع عن المشاركة في الأعمال الدرامية بمسلسل جديد، وهو “عمود البيت” الذي عرض أخيرا على قناة الكويت الفضائية، والمخرج الكويتي قدم عملا دراميا واحدا منذ عام 2013 وهو المسلسل الكوميدي “طربان”. يقدم المخرج الكويتي غافل فاضل في مسلسله الأخير “عمود البيت” توليفة اجتماعية مميزة يلقي عبرها الضوء على عدد من القضايا المحلية، كما يتطرق من خلاله أيضا إلى واحدة من القضايا المؤرقة على الصعيد العالمي، وهي قضية التطرف الديني وجذوره وأسبابه وانعكاساته على المجتمع والأسرة الكويتية، ودور الإعلام والصحافة في توعية الناس من أخطاره. “عمود البيت” مسلسل اجتماعي يدعو إلى العودة إلى التمسك بالتقاليد القديمة المُفتقدة بين أبناء الأسرة الواحدة، وهو من تأليف الفنانة أسمهان توفيق التي تشارك فيه بالبطولة أيضا، حيث تؤدي دور الأم في المسلسل، إلى جانب نخبة كبيرة من نجوم ونجمات الخليج العربي، من بينهم الفنان سليمان الياسين والفنانة زهرة الخرجي وعبدالإمام عبدالله والفنان القطري عبدالله عبدالعزيز والفنانة ملاك، وسلمى سالم وناصر كرماني وشهاب جوهر وخلود أحمد ومحمد الدوسري. ويدور المسلسل حول عائلة كويتية كبيرة مكونة من الأب والأم والأبناء والأحفاد يعيشون معا تحت سقف واحد، يعمل الأب الذي يؤدي دوره الفنان سليمان الياسين في مجالي التجارة والمقاولات، ويحرص على لم شمل أبنائه في بيت واحد كبير، وهو عميد العائلة ومحط احترام أفرادها، غير أن هذا الترابط العائلي الذي يحاول الأب الحفاظ عليه بكل جهده تتهدده أطماع البعض وضيقهم من سلطة الأب، فيواجه الأب كل هذه الأمور بحنكته المعتادة محاولا الحفاظ على هذا التماسك العائلي. ومن بين القضايا التي يطرحها المسلسل قضية الزواج من أجنبيات، والعراقيل التي تواجه هذا الزواج، خاصة من زوجات غربيات لا يستطعن التأقلم مع العادات والتقاليد المحلية، فالابن الأصغر فهد (محمد الدوسري) يجد نفسه أمام اختيار صعب بين البقاء في كنف العائلة ورغبة زوجته الأميركية في العيش باستقلالية بعيدا عن بيت العائلة، فهي دائمة التذمر من سلطة أبيه ولا تستطيع التكيّف مع عادات وتقاليد المجتمع، الأمر الذي يؤدي إلى انفصالهما. انفصال الابن الأصغر عن زوجته كان هو العقبة الأولى التي واجهت الأب خلال أحداث المسلسل، لتحمل الأحداث اللاحقة معها الكثير من التحديات التي تكاد تعصف بتماسك الأسرة الكبيرة، فتوتر العلاقة بين ابنه الأكبر سعود الذي يلعب دوره الفنان عبدالله عبدالعزيز وزوجته سمية (سلمى سالم) في طريقه إلى التصاعد، ما ينعكس بالسلب على ابنيهما. كما تتفسخ العلاقة بين ابنه غانم (شهاب جوهر) وزوجته نادية (ملاك) التي تبدو دائمة الشكوى ولا تكف عن دفع زوجها إلى الاستقلال بأعماله عن أبيه، كما تغرق الابنة غنيمة (زهرة الخرجي) في أحزانها بعد انفصالها عن زوجها وتحملها وحدها أعباء تربية ابنتها الوحيدة. مسلسل "عمود البيت" يتطرق إلى قضية التطرف الديني وجذوره وأسبابه وانعكاساته على المجتمع والأسرة الكويتية هذه التجربة القاسية لغنيمة تدفع أختها الأصغر سعاد (خلود أحمد) إلى التأني في اختيار شريك حياتها، لكنها رغم ذلك تتعرض للتلاعب بمشاعرها من قبل أحد زملائها في المستشفى الذي تعمل فيه. هذه الإشكاليات المعقدة والمتشعبة بين أفراد الأسرة تلقي بظلالها على أجواء العلاقات بين أفرادها، كما سيكون لها مردودها أيضا على تعاملاتهم مع الآخرين، فابنة غنيمة تسعى للتواصل مع والدها بشتى السبل، لكنها تواجه ببرود شديد من قبل أبنائه من زوجته الثانية، أما غانم الذي يسعى إلى الاستقلال عن أبيه فيتورط في صفقات مشبوهة يخسر على إثرها أمواله، كما يدفعه عناده إلى الوقوف في وجه أبيه وأسرته. نأتي هنا إلى القضية الأبرز التي يطرحها العمل، وهي قضية الأفكار الدينية المتطرفة والأساليب التي تتبعها الجماعات الإرهابية لاستمالة الشباب الصغير لأفكارها، فالحفيد خالد، وهو شاب صغير ما يزال بعد في مرحلة الدراسة الثانوية، لا يجد من يستمع إليه في ظل التوترات المستمرة بين أبيه وأمه. يجد الحفيد أذنا صاغية من قبل أحد رجال الدين المتطرفين الذي يدفعه إلى الانخراط في نشاطات إحدى الجماعات الإرهابية، يؤمن خالد بأفكار الجماعة ويتشدد في تعامله مع أسرته وعائلته حتى يجد نفسه متورطا في إحدى العمليات الإرهابية، إذ يُطلب منه مع آخرين اقتحام بيت أحد الصحافيين المعروفين بمهاجمته للأفكار المتطرفة، وللمفارقة يكون هذا الصحافي طليق عمته، “سالم” الذي يلعب دوره الفنان ناصر كرماني. يسفر الهجوم عن إصابة ابنة الصحافي بإصابات بالغة، وتستطيع مريم ابنة عمته التي تصادف وجودها أثناء الاقتحام في التعرف عليه، تهز هذه الجريمة أركان البيت وينكشف أمر الحفيد الذي يبدأ في مراجعة نفسه ويقرر الابتعاد عن تلك الجماعة، غير أن الأمر لا ينتهي عند هذا الحد إذ تشي به الجماعة ويتم القبض عليه باعتباره المنفذ والمخطط للجريمة. يحاول الجميع تخليص الحفيد من تلك الورطة بالبحث عن الفاعل الحقيقي، ويدفع الطمع أحد منافسي الجد إلى التعاون مع الجماعة الإرهابية من أجل ابتزاز الرجل، حيث تتكشف العلاقة بين رجال الأعمال وأقطاب الفكر الديني المتطرف. وإلى جانب هذه التعقيدات الأسرية التي تحيط بالعائلة تطالعنا أيضا بعض الحكايات الجانبية كاستغلال أحد الأطباء عمله للتربح عن طريق التجارة بالأدوية المخدرة، وتغلغل الفكر المتطرف داخل المدارس، وقضية البحث عن مصادر بديلة للطاقة ومعالجة التصحر، وغيرها من المسارات الفرعية الأخرى. النجوم المشاركون في هذا العمل يحمل كل منهم بصمته الخاصة في الأداء، نذكر منهم الفنان عبدالإمام عبدالله الذي يقوم بدور أحد التجار الفاسدين الذين لا يتورعون عن التعاون مع الجماعات المتطرفة للوصول إلى مآربهم، وكذلك الإطلالة الخاصة للفنانة أسمهان توفيق كاتبة النص، والتي تحظى بحضور لافت استطاعت خلاله تجسيد دور الأم الصبورة والمساندة لزوجها. والعمل في شكل عام يعد واحدا من الأعمال الخليجية الجيدة التي عرضت خلال هذا الموسم، رغم نقاط الضعف التي شابت بعض جوانب الحبكة الدرامية فيه، كمشهد الهجوم على بيت الصحافي، وهو أحد المشاهد الرئيسية التي شابها الضعف، فطعن الفتاة كان في حاجة إلى مبرر أكثر إقناعا، لكن في المجمل يتمتع المسلسل بقدر وافر من الإثارة وعدم الاعتماد على الحوارات الطويلة ما انعكس بشكل جيد على تتابع الأحداث.

مشاركة :