الفيلم الجزائري «ريح الأوراس»... قراءة أدبية (1)

  • 11/24/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

يتألق المخرج الجزائري محمد الخضر حمينة، بإنتاج وإخراج فيلم «ريح الأوراس»، وقبل أن أتحدث عن الفيلم يجب علينا أن نذكر أن الرجل نال السعفة الذهبية بمهرجان كان بفرنسا 1975، على فيلمه «وقائع سنين الجمر». وقال عنه الناقد السينمائي الأردني ناجح حسن: «هناك مخرجون عرب قد أبدعوا وشاركت إبداعاتهم في المهرجانات العالمية، وحصدت عديد الجوائز مثل فيلم (وقائع سنوات الجمر) للخضر حمينة».ويقول الناقد السينمائي الجزائري عيسى شريط: «فيلم (ريح الأوراس)، أخرجه محمد الخضر حمينة اعتمادا على سيناريو مشترك بينه وبين السينارست (توفيق فراس)، الذي نال جوائز عدة منها جائزة العمل الفني الأول بمهرجان (كان) عام 1966، والجائزة الكبرى لاتحاد الكتاب السوفييت بموسكو سنة 1967 حيث تحصل خلالها على جائزة أحسن سيناريو وأشاد بما أضافه إلى الأدب العالمي، وجائزة الغزال الذهبي بطنجة 1968.. ولعل القارئ الكريم قد لاحظ أن سرّ نجاح هذا الفيلم يؤول أساسا إلى السيناريو الجيـّد الذي لم يحتكر كتابته المخرج بل شاركه في كتابته توفيق فارس فجاء هذا السيناريو المشترك تحفة أدبية تجلـّت من خلال تجسيده فيلما، واعتقادي أن المخرج لو انفرد بكتابته وإخراجه، لما احتوى في ثناياه على هذه القيمة الأدبية وما توج بما ناله من نجاح».في عبارة لطيفة للدكتور رشيد بن مالك يقول فيها: «نص رواية (نوار اللوز) المتماسك آلة حقيقة لإنتاج العنوان»؛ ولعل هذا ينطبق أيضا على فيلم (ريح الأوراس)».عنوان الفيلم يتكون من كلمتين، الكلمة الأولى «ريح» جمعها «رياح» لها رمزية خاصة - ولا سيما - في القرآن الكريم؛ فقد ذكرها الله عز وجل في أكثر من سورة وفي آيات عدة، وعاقب بها أكثر من قوم. من هذه الآيات قوله تعالى:«وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية» (الحاقة: 6)، وتقول السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عصف الريح قال: «اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به».والمخرج الجزائري حينما استخدم «الريح» لم يكن استخدامه لها في معناها الحقيقي، بل في معناها المجازي فـ«الريح عند المخرج الجزائري هي ريح الغضب والثورة، هي صوت مدوٍ يخرق مجالات الصوت، يزعزع كيان المستعمر؛ فلا يدري من أين تأتيه الضربات، نهاره عسير وليله جحيم، إنها رياح الحق، إنها رياح الذود عن الأرض والعرض، إنها رياح الكرامة».أما الكلمة الثانية من العنوان «الأوراس».  و«الأوراس» هي جبال عالية القمم من ولاية باتنة، و ولاية خنشلة، وولاية أم البواقي، وولاية تبسة شمال شرق الجزائر. وأعلى قمة بها هي جبل شيليا التي تقع في ولاية خنشلة بارتفاع يقدر بـ 2328 تليها قمة جبل محمل بـ«ثنية العابد» بـولاية باتنة التي يصل علوها إلى 2321 م، وجبال عالي الناس جنوب خنشلة، كما تصنف جبال الأوراس من بين أكبر سلاسل الجبال في شمال أفريقيا. وقد قلت في هذه المناطق:«أم البواقي» بـَقـِيــنا مــعـكِ نقتسمُ العيـْشَ سواءً بسـواءْوريحُ «الأوراس» مـَصْحـُوبةٌبشـرفِ الشبـيبةِ، ومجدٌ ودمـاءْ«تبسة» تـَهـْفـُو النفوسُ لعطركِوعلى جبين ِطفلكِ حـبٌّ وعـطاءْوالأوراس هم الشاوية أهل الشجاعة والكرم والجود، أصحاب كلمة لا تنثني ولا تنحني إلا للواحد القهار، لقد لعب أشاوس الأوراس دورا فعالا في تحرير الجزائر، كانت ضرباتهم موجعة، وقاماتهم شاهقة كجبالهم، إنهم الطود الأبي الذي لا يقف إلا منتصرا.قراءة أدبية للفيلم: بدأ الفيلم بالتكبير (الله أكبر... الله أكبر)، وهو الأذان للصلاة. هذا الأذان الذي اهتزت له جبال الجزائر خشوعا وسكينة «لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله» (سورة الحشر آية: 21)؛ الله أكبر كبيرا، الله أكبر من كل شيء، فاعرف حجمك وافهم قدرك أيها المستعمر المستبد المتغطرس، رمزية التوحيد القدرة والعظمة والهيمنة الإلهية في هذا الأذان، والصلاة صلة العبد بربه فلن يخذل الله هذا الشعب المناضل، رمزية العلاقة الدقيقة بين العبد وربه، الصلاة طمأنينة وهدوء وسكينة «ألا بذكر الله تطمئن القلوب» ويقول الحبيب المصطفى عليه وآله وصحبه أفضل الصلاة والسلام عن الصلاة: «أرحنا بها يا بلال».تصوير رائع ودقيق، تتحرك الكاميرا من أعلى الجبال بانسيابية متناهية مرورا بالسهول والوديان، مصحوبة بصوت الأذان، قدرة الله الواحد المنان، رمزية الانتماء لهذه الأرض الخضراء التي وهبها الله للجزائريين.صور متداخلة وفي الوقت نفسه متجانسة تتحدث بلسان حالها ومشاهدها؛ عمل جماعي لأهل القرية في بناء البيوت من القصب والطين تحت أصوات مدافع المستعمر التي كانت تدك مواقع المناضلين المنتشرين في الجبال، هنا رمزية الشجاعة المشتركة بين من يعمل في بناء البيوت وإصراره على البقاء متحديا الآلة العسكرية الغبية؛ متمسكا بهويته وكينونته؛ متشبثاً بأرضه والانتماء لهذا الوطن العزيز، وبين المناضلين الجزائريين المنتشرين في أعالي الجبال وبين السهول والوديان الذين يقاومون المستعمر بكل شراسة رافضين وجوده على أرضهم.أرضٌ تـُزرع.. أرض تـُحصد... أرض تـُبنى... أرض تـُستصلح... أرض غاضبة... أرض ثائرة... أرض عصية... أرض عنيدة... أرض خضراء باخضرار قلوب أهل الجزائر.* كاتب وباحث لغوي كويتيfahd61rashed@hotmail.com

مشاركة :