3 -الجيم يعد صوت الجيم في الفصحى واللهجات المعاصرة مثالاً على أهمية ترتيب القواعد الصوتية وعلاقتها بالبنيتين العميقة والسطحية في تفسير بعض الظواهر اللغوية. ويقفنا على ثلاثة قضايا للجيم، الأولى علاقتها بالكاف المجهورة /g/ (الجيم القاهرية)، وعلاقتها بلام التعريف، ولفظ الجيم في بعض لهجات الخليج. ذكر في القضية الأولى مذهبين أحدهما يرى الجيم كافًا مجهورة وهي ما تنطق كالجيم القاهرية، وهي جيم قديمة الاستعمال في اليمن وعمان، وما زالت مسموعة إلى يومنا هذا ومن أشهر الأغاني اليمنية التي استعملتها (على مسيري على مسيري)، ولعلها رحلت مع القبائل اليمنية أيام الفتح الإسلامي إلى مصر، ويذهب إلى هذا عبده وبشر والسغروشني، وهذا يخالف الرأي الآخر الذي يذهب إلى تحول الجيم القاهرية من الغارية إلى الطبقية، وهو مذهب فرجسون وأنيس. يؤيد مذهبه في أصالة الجيم الطبقية (الكاف المجهورة) بجملة أمور أولها أن الطبيعي أن يكون في اللغة من الأصوات ما هو مجهور ويقابله الصوت نفسه غير مجهور، فالأصل أن يكون في العربية الباء ونظيرها غير المجهور /p/، ويذهب إلى أنه «قد نشأ الوضع الحالي الذي يبدو شاذًا من تحوّل الباء غير المجهورة إلى فاء»(1)، وهو يعني في مثل فردوس وفندق؛ ولكن الملاحظ من استعمال الناس تحويل الباء غير المجهورة إلى مجهورة، والحق أن الباء غير المجهورة تحدث في العربية كما في (اكتبْ سطرًا)؛ ولكن لا وظيفة لها. ولذلك يرى أنه كان للكاف المهموسة نظير هو الكاف المجهورة أي الجيم التي كالجيم القاهرية، قال: «وقد تحولت الكاف المجهورة إلى جيم، فكانت النتيجة وجود الجيم واختفاء الكاف المجهورة»(2). وهذا صحيح على مستوى الفصيحة التي يقرأ بها القرآن، وأما في اللهجات فصور الجيم متعددة متجاورة. وثانيها أن الكاف الطبقية غير المجهورة نطقت في بعض اللهجات كافًا غارية كالصوت الأول من chair وهي جيم غير مجهورة فلا غرابة أن تنطق الكاف الطبقية المجهورة كافًا غارية مجهورة (جيمًا)، وثالثها أن الجيم عدت حرفًا قمريّا لا تدغم فيه لام التعريف على الرغم أنه غاري كالشين، وذلك لأن قاعدة تحويل مماثلة اللام للصوت الشمسي جاءت قبل قاعدة تحويل الطبقي إلى غاري، أي دخلت اللام على الطبقي أولاً فلما صار غاريًّا بقيت اللام كما كانت. ويرى أن نطق بعض اللهجات (دجاجة) بقولهم: دياية هو تحويل للجيم القاهرية سابق على تحويلها إلى جيم فصيحة، وأن مثل (قدام) كانت تنطق قافه جيمًا قاهرية في الوقت نفسه ثم حولت إلى جيم (جدام) بعد توقف التحويل إلى ياء، والجدير بالذكر هنا أن تحويل الجيم إلى ياء توقف بدليل قولهم (جامعة) بالجيم ولكن اللفظ نفسه كان ينطق بالياء (يامعة) في حرز يلبسه الصبيان يضم أدعية جامعة، وتوقف تحويل القاف إلى جيم فهم ينطقون الاسم (قاسم) غاسم. فقاسم القديم هو (جاسم) وقاسم الحديث هو (غاسم). كل ذلك يدل على أثر ترتيب قواعد التغير الصوتي. ** ** (1) داود عبده، دراسات في علم أصوات العربية، 2: 76. (2) داود عبده، دراسات في علم أصوات العربية، 2: 77.
مشاركة :