لا أستطيع أن أخفي عظم وقع المفاجأة للبيان الأخير الصادر عن النيابة العامة بحق المتهمين في قضية خاشقجي، كغيري ممن استشعر فيهم هذه الحالة نتيجة سماع البيان الذي وضع النقاط على الحروف، منهياً بذلك كل الاجتهادات الشخصية والزوبعات الجماعية، كما لا أستطيع في الوقت ذاته أن أنكر مدى اعتزازي وفخري بنزاهة واستقلالية القانون السعودي، والذي يرتكز بالأساس على الشريعة الإسلامية مستمداً أحكامه وتشريعاته من الكتاب والسنة. أتى البيان في وقت تعددت فيه التكهنات والتخمينات التي أساءت التقديرات في القضية من قبل الطامعين والشامتين والمتربصين بها، فاتسعت رقعة «اللت والعجن» إلى أن أصبح الكل يدلي بدلوه من عالم بملابسات الحادثة وجاهل لأدنى ظروفها. لكن أتى البيان الأخير ليسدل الستار وليكون الفيصل الذي قطع الطريق على المتسلقين والمنمقين ومستغلي الأزمات والفرص، إن البيان في أصله رسالة سطرت حقيقة بالغة الوضوح والأهمية حيث أوضحت ومن خلال فقراتها القوية عن مدى مصداقية الرواية السعودية وتداعيات مقتل خاشقجي وعن حقيقة الحادثة وسلامة إجراءات تطبيق القوانين في المملكة بعيداً عن التسييس. لقد كانت ومازالت قضية خاشقجي حالة فريدة من نوعها، وإن كان الإعلام بشتى طبقاته قد تبنّى قضية ليست من اختصاصه بتقمصه أدواراً لم يكن ينبغي أن يتبناها مهنياً بعد أن لعب فيها دوراً محورياً في مسار التضليل والتفخيم والتضخيم والمبالغة لتغيير حيثيات الحقائق، في المقابل والحق يقال لم تكن الأداة الفنية والآلة الإعلامية المحلية على مستوى الحدث منذ نشأت الحادثة مع بداية حلقاتها الأولى، بل إن البعض منها كان يغرد خارج السرب وهو الأمر الذي أدى بدوره إلى اتساع رقعة المعلومات المضللة وفتح المجال لجهات ومحطات مأجورة أخرى تمكنت من التحكم في المعلومة وبالتالي سيطرتها على عقلية المتلقي عربياً وإقليمياً وعالمياً واستطاعت بذلك حجب الحقائق. كان يجب كسر الصورة النمطية التي اعتاد عليها المشاهد بخلق هزة إعلامية تشعره بقيمة المعلومات الصحيحة ومن أين وكيف يمكن أن يستسقي أخباره كي تزول الغرابة وتنقشع عنه الغمامة بحيث يغدو الخبر واضحاً وجلياً ولا يحتمل أي تفسيرات أخرى، لقد تنوعت آراء المحللين والمختصين بخصوص هذه القضية فمنهم من كانت آراؤه وتحليليه واقعية ومستنيرة مستقاة من وحي الإنسانية مانحاً الأولوية القصوى لتحكيم العقل والمنطق والضمير فبدت نتائج تحليلاته منطقية كونها لم تمنح العواطف كامل المساحة حتى لا تعبث بمشاعره، ولذلك غدت نظرياته معقولة ومنطقية كغيرها من النظريات الأخرى التي تم طرحها والتعامل معها في أوقات وأحداث سابقة.
مشاركة :